أرشيف صحيفة البلاد

تشكن طاطس

صالح عبدالله بوقري

بانا طفلة سعودية جداوية الأب والأم جاءت لهذا العالم في فانكوفر حيث كان والداها في بعثة الى كندا وعندما وصلت البيت بعد يومين قضتهما في مستشفى الولادة رن الهاتف وكانت مسؤولة التمريض تطلب من والدتها موعداً لزيارة الشقة التي ستقيم فيها بانا.
ولأن بانا هذه هي الطفلة الأولي لوالديها فقد ارتأت المستشفى ضرورة تحديد زيارة الى المنزل لتدريب الام على طريقة الرضاعة والاستحمام وتغيير الحفاضات ونوعية الملابس والحليب ومن ثم الطعام عندما تنمو الطفلة وتستطيع استبدال الحليب بطعام الأطفال.
يذكر ان والد بانا عندما طلبت منه ادارة المستشفى مراجعة قسم المواليد في المدينة لاستلام شهادة الميلاد قبل مغادرة المستشفى بقصد استخراج هوية الطفلة قبل انتقالها الى البيت ان خيرت ادارة المواليد الأب بين الاكتفاء بورقة الشهادة المجانية الحكومية او اضافة شهادة مكبرة ملونة في إطار جميل كتب فيه اسم بانا بطريقة فنية على خلفية اقرب الى اللوحة التشكيلية فاختار الأب الاثنين معا ودفع قيمة الثانية لتكون اول لوحة تمتلكها (بانا ) مولودته الاولى بنت اليومين
حاولت الام التهرب من إعطاء الموعد لمسؤولة التمريض التي كانت على الهاتف ظنا ان في ذلك مضيعة للوقت او تدخلا في شوون صغيرة تجيدها كل أم ولكن مسؤولة التمريض من قسم الأطفال في المستشفى كانت تصر على ضرورة الزيارة قائلة ان هناك أمورا هامة يجب شرحها لرعاية الأطفال.
وصلت مسؤولة التمريض في الصباح وفي الموعد المحدد تماما الى شقة أسرة بانا واستقبلتها الام التي رحبت بالضيفة وكانت قد أعدت لاستقبالها بعض الشاي وقطعة من الحلوى الا ان الضيفة كانت قد حددت مدة الزيارة دون ان تضع في حسابها وقتا للشاي او الحلوى وان خطة الزيارة تتطلب زيارة المطبخ والحمام مع الام وكذلك غرفة النوم في الشقة.
استغربت الام لكل هذه التفاصيل في الزيارة القصيرة كما لاحظت كراسة بها ما يشبه خطة موضحة بالرسومات والالوان والاشكال وعليها تؤشر المسؤولة فور انتهاء كل جزء منها ففي الجزء المخصص للمطبخ فتشت الضيفة عن كيفية حفظ مواد النظافة ومكان حفظها حتى لا يكون قريبا من بانا اذا بدأت الحبو والحركة فكثير من حوادث تسمم الأطفال تقع بسبب قرب هذه المواد من تناول الأطفال.
وكانت زيارة الضيفة لغرفة النوم مع الأم للتأكد من دخول الشمس وموقع السرير ونوع المرتبة التي ستنام عليها بانا ونوع الغطاء الذي ستتلحف به في الليل.
وفِي الحمام قاست مسؤولة التمرض بمتر أحضرته لهذا الغرض محيط و قطر الطشت البلاستيكي الذي ستستعمله الام لاستحمام ابنتها بانا وقرأت بدقة ما هو مكتوب على ورقة الصابون والشامبو ونوعية النسيج المصنوع منه فوطة التنشيف بعد الاستحمام وأبدت ارتياحها لكل ما في الحمام وقالت ان ابنتكم محظوظة فأنتم أحضرتم لها الأدوات والمواد المناسبة للطفل في هذا السن فبادرتها الام قائلة ان والد بانا طبيب يحضر للامتياز في كندا ويتدرب حاليا في احدى مستشفيات فانكوفر فأجابت المسؤولة اهنئكم فقد حققتكم نسبة ممتازة في كراسة الزيارة هذه التي سأقدمها للمستشفى.
وعندما بلغت بانا أسبوعها الثاني وصل طرد صغير من ادارة الجوازات يحمل جواز سفر عليه صورة بانا نفس الصورة التي قامت مصورة المستشفى بتصويرها قبل خروجها مع امها حتى ان أم بانا لم تعرف لماذا حضرت هذه لتصوير الطفلة وقد ذهب بهل الظن ان ذلك لأرشيف المستشفى.
كبرت بانا وبدأت تحبو في الشقة وتدخل احيانا الى المطبخ وبفضل الله ثم بفضل حرص الاسرة والمستشفى لم تتعرض الطفلة لخطر مواد النظافة الآي تحولت الى اعلى الرفوف وقد كانت قبيل زيارة المسؤولة في خزانة تحت المغسلة كما يحفظها الكثير منا.
كبرت بانا وبدأت تذهب الى دار الحضانة كل صباح وأصبح لها أصدقاء وصديقات كنديون ومن جنسيات اخرى وانتقلت بعد عام الى رياض الأطفال بعد ان تجاوزت السنة الثالثة من عمرها ولكنها وجدت نفسها امام تحديات التفاهم بلغة لا تسمعها في البيت مما جعلها ان تصنع لنفسها لغة هجينه بين العربية التي تسمعها في البيت من والديها والإنجليزية التي تسمعها في المدرسة من صديقاتها ومربيتها فكثيرا ما لا حظ والداها عبارات تنطقها بانا مكونة من اللغتين وأدركا منشأ وسبب هذه العبارات التي تدخل فيها مفردات اللغتين الامر الذي استمر مع بانا حتى عودتها الى المملكة اليوم وقد تجاوزت الأربعة أعوام.
جمعتني مناسبة جميلة مع بانا ووالدتها وكنا على الطاولة سويا لتناول طعام العشاء وكنت ألاطفها وناولتها قطعة خبز كانت وضعها النادل في سلة مع المقبلات على الطاولة ولكن لاحظت ان بانا أعادتها الى السلة ونظرت إليّ في شئ من الاستغراب وكأنني ارتكبت خطأ من اداب المائدة.
لم أعر الامر انتباهي ولكن لا حظت ان بانا انتظرت ان عاد النادل لتقول لامها انها تريد تشكن طاطس.
وكانت هذه احدى العبارات المنحوتة من اللغتين التي ابدعتها بانا والتي تعني ( دجاج وبطاطس )
ادركت لحظتها ان هذا بانا تمتلك خصوصية واستقلالا في شخصيتها حملتهم معها من الحضانة ومن رياض الأطفال.
حاولت أمها لحظتها تجاوز الاحراج الذي ظنت ان بانا أوقعتني فيه قائلة بانا تتعبني حتى في اختيار الملابس فهي تعلمت من الحضانة ورياض الأطفال ان تقرر هي ما تريد وان تختار ما تاكل وما تلبس ولا تقبل ان يختار عنها احد حتى لو كان والد والدتها.