الأرشيف الثقافيـة

تحت الطرفة

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]سامي حسون[/COLOR][/ALIGN]

كنت لا أعرف في العطلة الصيفية قبل دخولي إلى المرحلة المتوسطة إلا الملل،والذهاب إلى فرن عم \" صلاح \" في درب الجنائز ،لشراء بعض الخبز \" عيش الحب \" والكسمات الذي ترغب أكله جدتي يرحمها الله،أما الآن تغير كل شيء، صرت أعرف أن أسبح في بركة \"العربي \" في المزرعة المجاورة لمنزلنا القديم، وأذهب مع أصدقائي إلى الملعب في \"ارض الأسد\" حيث نلعب كرة القدم، كان صديقي \" خالد \" يفرضني على فريقه رغماً عن الجميع ويقول لهم \"لا مكان له تحت الطرفة\"، لم أفهم بالبداية ما يعنيه، إلى أن عرفت ..ان اللاعبين المنتظرين تحت شجرة الطرفة ، لاعبين غير محسوبين كلاعبين كاملين، لكن كنصف لاعبين، ففريق خالد مؤلف من ستة لاعبين أنا سابعهم، في مقابل ستة من الفريق المنافس، وحين أصبحوا يعتبرونني لاعباً بحق لم تسعني الدنيا، وصارت أصغر بكثير من أن تسعني حين سجلت هدفاً بالصدفة.
ينظر صديقي خالد إلى حذائي الرياضي فيقول \"أنت غني ومدلل\"، وأنا أعرف أنني لست غنياً، أقول له \"والله ماني غني\"..كنت اسرقها من غرفة عمي شقيق أبي ،لأنه يلعب في نادي أحد الرياضي.. فيرفع لي خالد رجله ويقول \"شايف حذائي \"، هو اسمها أيداس سوري.. وأنت لابس أديداس ألماني\" وكسارات وجوارب وفنيله أوربية غالية الثمن، أسأل أبي أن يشتري لي \"أديداس تقليدي\" فيشتمني ويقول لي \"تبغى تربطه بالتكة\"، أذهبُ إلى شارع \"العينة\" وأشتري واحدة، يقول لي البائع \"الفردة بعشرين ريال ونص\" وحين أسأله عن \"الربّاط\" يضحك البائع…ويقول اذهب يا ولدي والعب بالنقل وهو عبارة عن قماش مطاطي مفتوح من نصفه لخروج كعب رجله.
وفي يوم من أيامنا الكروية ، ذهبنا إلى ملعب بحارة\" البحر \" كي نلعب ضد فريق تلك الحارة ،وكان عمي لاعب نادي أحد الرياضي مع من جاء من الجمهور..بدون علم مسبق بقدومه ، كنت أراه واقفا ًوبجانبه صديقه المرحوم \" القدح \" لاعب أستوبر موهوب وفنان أيضاً في نادي احد الرياضي.. كنت أراهما ،كما لو أن لا أحد حولهما، حيث رحت أجاهد وأبذل كل ما في وسعي لكي أسجل هدفاً.
كان الملعب كبيراً جداً، كنا أصغر من الملعب والمرمى والكرة، ورحت أركض ولا ينتهي الملعب، أسدد أنا وأصدقائي ولا نهز شباك الخصم، خسرنا،تلك المبارة، بهدفين مقابل لا شيء، كنت أفكر بعمي وصديقه \" القدح \" فقط، وكيف لي أن أكون مهزوماً أمامهما، وما أن انتهت المبارة حتى بكيت، ركضت نحوهما ووقفت بجانب الخط الأبيض للملعب ، رفعت رأسي نحو الجمهور.. لم أرهما من كثرة الدموع التي ملأت عيني.
قال لنا عمي بصوت مرتفع \" لا تزعلوا .. هي كده الكرة .. يوم غالب ويوم مغلوب \" أما صديقه المرحوم \" القدح \" قال \" شدوا الهمة المرة الجاية \" .. خرجت أنا وأصدقائي اللاعبين مطأطي رؤوسنا بعد الهزيمة .. بينما فريق حارة البحر يحتفلون بالفوز ودق الطبول.
هذه أقصوصة لا زالت عالقة في الذهن إلى يومنا الحاضر.
رحمة الله على لاعبين موهوبين كنا نراهم من قرب ، يحرثون الأرض بفنهم الكوري الجميل .. أمثال \" أبو عبِيدة \" لاعب وسط نادي احد، و\" القدح \" لاعب قلب الدفاع \" استوبر \" وغيرهما من الأحياء. فمنهم من كان يتخطى شجرة الطرفة بفنه الكروي ومنهم مازال يحلم أن تقتلع تلك الشجرة من جذورها ، كي يلتحق باللاعبين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *