شذرات

بين تعجيز الخبرة….وقبيح الواسطة

بقلم : أ د. صالح بن سبعان
«أنا شاب سعودي أبلغ من العمر (29) سنة تخرجت من الجامعة تخصص قانون بتقدير جيد، وتدربت لمدة ثلاثة أشهر بدون راتب لدى مكتب محام، ومن ثم التحقت بمعهد خارجي لتعلم اللغة الإنجليزية، وعدت بعد ذلك لبلدي السعودية، ووجدت نفسي أمام نفق طويل ومظلم، يتلخص الطول في عنصر الخبرة ويتلخص الظلام في عنصر الواسطة».
«الجزء الأول المتعلق بالخبرة، وهو جزء غريب، كيف تطلب من خريج خبرة، وأنت لم تمنحه الفرصة للعمل وفي مجال تخصصه ؟!، الشيء الوحيد الممكن هو العمل في مكتب محام كمتدرب، مع العلم أن مكاتب المحاماة لا تدفع راتبا يكفي لتقسيط سيارة وإيجار غرفة، نظرا لأن أهلي مقيمون في مدينة صغيرة ليس فيها مجال لعملي كمحام، ولذلك إذا أردت التدرب في جدة فيجب أن يكون معي سيارة وسكن، وراتب المحامي المتدرب لا يكفي لذلك.
والجزء الآخر القبيح هو الواسطة، كل ما قدمت على عمل حكومي أو خاص واجتزت اختبارات القبول يتم استبعادي بعد المقابلة، مع العلم أنه تم قبول أشخاص تقديرهم أقل من تقديري، ولا أعلم ما السبب، ووجدت أن ما يملكه الآخرون ولا أملكه أنا هو الواسطة والمعرفة في البنك أو في الوزارة أو في الشركة» .
هذا ملخص لرسالة طويلة تنضح بالشكوى وصلتني عن طريق بريدي الالكتروني من مواطن في مقتبل حياته العملية يسعى لأن يؤسس لمستقبله ومستقبل أسرته التي بذلت كل ما في وسعها إيمانا منها بأن تعليم الأبناء هو خير استثمار وأجدى في سبيل الارتقاء المعيشي والاجتماعي، ويبدو أنهم من تلك الفئة التي لازالت تؤمن بمقولة أن «العلم يرفع بيتا لا عماد له وأن الجهل يهدم بيت العز والشرف» ، خاصة أن الشاب ووالديه يسمعون عبر أجهزة الإعلام المختلفة كل يوم عن المشاريع التعليمية العملاقة التي تشيدها الدولة كل يوم، ويتابعون المبادرات المتتالية والمتلاحقة صباح كل يوم لخادم الحرمين الشريفين بإنشاء الجامعات، والمنح الحكومية للمبتعثين وغير المبتعثين للدراسة في الخارج، ويرصدون المليارات التي تخصص في الميزانيات العامة للتعليم، ولمشاريع التنمية التي تستوعب طاقات الخريجين، مما يدفعهم للتفاؤل الذي يجعلهم يقتطعون من قوت يومهم لتعليم أبنائهم، وهذا واحد من هؤلاء الأبناء يجد نفسه أمام خيار الهجرة من وطنه ليعمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *