أرشيف صحيفة البلاد

بيع الأعضاء بإيران .. تجارة ينعشها الفقر

طهران ــ وكالات

في الطريق المؤدي إلى أحد أبرز مستشفيات إيران، يمكنك أن تلاحظ العديد من الإعلانات واللافتات التي تعرض “أعضاء بشرية” للبيع مصحوبة بأرقام هواتف وفصائل دم، منتشرة على الجدران وجذوع الأشجار وكبائن التليفونات والممرات الجانبية لواحدة من أبرز مستشفيات إيران، وهي مركز هاشمي نجاد للكلى.

وبصفة يومية، تظهر إعلانات جديدة لا سيما “كلية للبيع” في نفس المكان، تروي كل منها قصة ألم لإيراني عاطل عن العمل أو مديون أو يمر بظرف عائلي طارئ، في دولة تعاني من يأس اقتصادي.

صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية نقلت عن إيراني يدعى علي رضائي قوله: “إذا تمكنت من بيع كليتي، سأتخلص من ديوني”.

وأضاف رضائي المفلس البالغ من العمر 42 عاما ويعمل في تركيب مكيفات الهواء “ربما أبيع كبدي أيضا”

ويروي رضائي أن حياته انقلبت رأسا على عقب عندما بدأ العمل في توفير مكيفات هواء كجزء من مشروع الإسكان الكبير، الذي أطلقه الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد لتوفير شقق بأسعار معقولة للعائلات ذات الدخول المنخفضة.

وبعد فشل بيع عدد كبير من هذه الشقق بسبب البناء غير الجيد والتضخم السريع، هرب بعض المقاولين إلى خارج إيران، دون أن يدفعوا للموردين المتعاقدين معهم حقوقهم المادية.

وكان رضائي مديونا للبنك بنحو 7 آلاف دولار، وليس لديه طريقة لسدادها، حتى أنه سجن أكثر من مرة، في آخرها عرض زوج أخته شقته الخاصة كضمان لإطلاق سراحه. وفكر رضائي في التسجيل لبيع كليته عبر النظام الرسمي، لكن صهره يحتاج إلى الأموال بسرعة.

ووفقا للصحيفة، الاتصال بالأرقام الموجودة على الإعلانات يحمل في طياته قصصاً تحرق القلب من شدة الألم. ومنها، مهدي طالب ذي الـ24 عاما الذي يحتاج إلى 15 ألف دولار لحل مشكلة عائلية، والميكانيكي أمين 36 عاما الذي خسر ورشته بسبب الإفلاس ويرغب في المال للعودة إلى عمله.

وفي الواقع، تتيح إيران لشعبها طريقة شرعية لبيع الكلى، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تقوم بذلك، وتقوم إحدى المؤسسات الحكومية بتسجيل البائعين والمشترين، وتقوم بمطابقتهم، وتحدد سعر ثابت لكل عضو بشري؛ 4600 دولار. ومنذ عام 1993، أجرى الأطباء الإيرانيون ما يزيد عن 30 ألف عملية زراعة كلى بهذه الطريقة.

لكن لا يعمل النظام دائما بالشكل المرسوم، حيث علم البائعون أنه يمكنهم القيام بصفقات جانبية للحصول على المزيد من آلاف الجنيهات من الإيرانيين الأثرياء الذين يتوقون إلى إتمام عملياتهم سريعا دون الحاجة إلى الانتظار لدورهم حسب النظام الحكومي والذي قد يستغرق عاما.

أو يمكنهم حتى بيع أعضائهم إلى الأجانب غير المصرح لهم بالاستفادة من البرنامج الصحي الوطني. وفي السنوات الأخيرة، ألقي القبض على أطباء إيرانيين يقومون بعمليات نقل أعضاء إلى أشخاص يحملون بطاقات هوية إيرانية مزيفة.

وتقول السلطات الإيرانية، حسب “لوس أنجلوس تايمز”، إن هذا النظام يمنح الفقراء طريقة آمنة نسبيا للحصول على أموال، وفي الوقت ذاته ينقذ حياة أشخاص آخرين، بالإضافة إلى الحفاظ على انخفاض تكاليف العمليات الجراحية، وتقليل وقت الانتظار في دولة كانت حتى وقت حديث لا يمكنها الاستفادة إلا بعدد قليل من أعضاء المتوفين.

من جانبه، قال ناصر سيمفوروش، رئيس قسم جراحة المسالك البولية وزراعة الكلى في مركز الشهيد لبافي نجاد الطبي في شمال طهران: “نعم، يتبرع الناس لأنهم يحتاجون الأموال، لكن هذا واقع نعيشه في جميع أنحاء العالم”.

وأضاف “بدلا من القيام بشيء غير قانوني للتخلص من الديون مثل السرقة أو التهريب، يقومون بإنقاذ حياة أشخاص”، موضحا أن هذا ليس استغلالا، ونتيجة هذا النظام تعود بالنفع على المتبرع والمتلقي.

لكن بعض الأطباء المتخصصين في نقل الأعضاء على الصعيد الدولي يرون أن هذه الإعلانات دليل على الترويج لبيع الأعضاء يستغل الأشخاص المحتاجين، وهو نفس الشيء الذي يجرمه القانون في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى.

وأوضح جابرييل دانوفيتش، مدير برنامج زرع الكلى في جامعة كاليفورنيا وأحد المعارضين الأقوياء لبيع الأعضاء: “لا يكون المتبرعون في حالة أفضل في نهاية الأمر”.

مضيفا “عندما تمنح شخصا بائسا حفنة من الأموال مع تقليل ثقته في نفسه، أنت لا تساعده بل على العكس أنه تصرف يدفع على اليأس وليس الحب”.

وبعيدا عن النظام الرسمي لبيع الأعضاء، توجد شائعات حول وجود سوق سوداء لبيع الكلى تمنح أملا أخيرا محبطا لضحايا مشكلات إيران.

ويفضل المؤيدون لهذا النظام الإيراني الغريب أن يطلق عليه “تبرعات مدفوعة الثمن” بدلا من “بيع أعضاء”. فضلا عن أن رجال الدين الإيرانيين صادقوا على بيع الكلى طالما أنه لا يضر بالمتبرع.

ولا يمكن لأحد أن يقول على وجه التحديد عدد الإعلانات التي تمت الاستجابة إليها، لكنها في النهاية مؤشر على الخلل الاجتماعي والاقتصادي في إيران بعد سنوات من الفساد المتوطن وسوء الإدارة والعقوبات الدولية الخانقة.