الأرشيف محليات

بمشاركة نخبة من المسؤولين والمفكرين والباحثين.. معالجة فكرية لقضايا الإرهاب ومراجعة تقويميّة لبرامج مكافحته

المدينة المنورة : جازي الشريف
تصوير : محمد قاسم
أطلق 29 باحثاً وباحثة من السعودية ومصر والجزائر والأردن والعراق والبحرين والمغرب وماليزيا جلسات المؤتمر العالمي الثاني لمكافحة الإرهاب (حلول فكرية ومراجعات عمليّة) الذي تنظّمه الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة يومي الثلاثاء والأربعاء، بحضور نخبة من المسؤولين والعلماء والمفكرين والإعلاميين، بهدف بناء إستراتيجية علمية برؤية إسلامية للمعالجة الفكرية للإرهاب من خلال التعرف على نقاط القوة والضعف وفرص النجاح والمخاطر المحيطة بكل مراجعة فكرية أو جهد دعوي أو رؤية أو آلية جديدة معززة لإعادة المنحرفين، ودرء الخطر عن المستقيمين، وذلك بما يحقق الانتقال بالمعالجات الفكرية من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق.
ويشهد المؤتمر جلسات للمراجعة الفكرية لستة ممّن تأثروا بالفكر التكفيري والإرهابي المتطرف سابقاً وعادوا إلى منهج الصواب بعد جهود المناصحة وإعادة التأهيل، حيث سيتحدثون عن تجربتهم في الخروج من نفق الإرهاب المُظلم.كما تنظم الجامعة على هامش المؤتمر مسابقةً دولية للخط العربي في كتابة نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة التي تحرّم الإرهاب وسفك الدماء المعصومة وتدعو إلى الحوار والتعايش مع الآخر، ومعرضاً للأعمال واللوحات المشاركة التي بلغت حوالي 100 لوحة من 13 دولة.
ويصاحب المؤتمر أيضاً وقفة طلابية داخل الجامعة، يشارك فيها أكثر من 1000 طالب يمثلون أكثر من 200 جنسية ولغة من مختلف بلدان العالم، يحملون لافتات بلغاتهم يُعلنون فيها إدانتهم للإرهاب والتطرّف.
وفي الجلسة الأولى التي رأسها معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، طرح الباحثون في أبحاثاً ركّزت على المراجعة الفكرية حول قضايا مثل قضية الخلط بين الإرهاب والجهاد وقضية التشهير بالحكام، وتقويم فاعلية دور كل من المناهج الدراسية الجامعية والدراما العربية والأسرة والرعاية اللاحقة للمنحرفين في معالجة ظاهرة الإرهاب.
حيث قدّم الدكتور أحمد عبدالكريم شوكه الكبيسي من جامعة إب باليمن بحثاً بعنوان “المراجعة الفكرية حول قضية الخلط بين الإرهاب والجهاد” حدّد فيه مفهوم الجهاد الصَّحيح مؤكداً ضرورة تسمية الأشياء بمسمّياتها الصَّحيحة والبُعد بها عن مجال التأويل الفاسد والتزييف اللفظي والتدليس البياني، والتنبيه على ما يترتب من تفريطٍ في حصر الجهاد على القتال فحسب من نتائج عكسيَّةٍ تؤدي إلى الإساءة للإسلام، وكشف زيغ المتخبطين والجاهلين من المتطرِّفين وفضح أباطيلهم ولاسيِّما وهم يستندون إلى تأويلات تعسفيَّة وأقاويل وشواهد ضعيفة وفتاوى عاطفية ومواقف نفسيَّة، والرّجوع بهم إلى أصالة ونقاوة هذا الدِّين الحنيف.
وقدّم الدكتور خالد بن مفلح آل حامد الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء بحثاً بعنوان: “المراجعة الفكرية لقضية التشهير بالحكَّام بيّن فيه مواطن القوة في المراجعة الفكرية لقضية التشهير بالحكام وحصرها في التأصيل الشرعي المبني على الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح ووجود القدوة المعاصرة للأئمة الكبار، ووجود الطرق المتعددة والناجحة في إصلاح الأخطاء.
وأوضح أن من فرص النجاح بيان المنهج الصحيح من خلال الحوار ودحض الشبهات المتعلقة بذلك، وتفعيل الفتاوى ونصوص العلماء حولها، وتكثيف توعية الطلاب في جميع المراحل الدراسية من خلال تضمين المناهج الدراسية المنهج الشرعي في علاقة الحاكم بالمحكوم.
وألقى الدكتور رفعت محمود بهجات من جامعة جنوب الوادي بمصر بحثاً حول “تقييم الكفاية الداخليَّة والكفاية الخارجيَّة للمناهج الدراسيَّة الجامعيَّة باستخدام أسلوب مواطن الضعف والقوَّة والفرص والتهديدات”، هدف فيه إلى فحص نوعية المناهج الدراسية الجامعية من زاوية الكفاية الداخلية ومعايير الجودة الأكاديمية المختلفة في مستوى التعليم والمعارف والمهارات والقيم وفعالية الأداء وقلة الإهدار، من خلال فحص العوامل الفاعلة في تحقيق الكفاية الداخلية للمنهج الدراسي كأهداف المنهج ومحتواه واستراتيجيات التعلم وأساليب التقويم.
دور الاعلام
وطرح الدكتور محمد زين العابدين رستم من جامعة السلطان المولى سليمان بالمغرب ورقة بعنوان: “المعالجة الفكريَّة لظاهرة الإرهاب من خلال الدراما العربيَّة (دراسة تقويميَّة)”، تناول فيها دور الإعلام ووسائله، ومنها الدراما، في تشكيل الوعي الجمعي في تلقي المعلومات والأفكار لدى الجمهور، وبيان دور الدراما في إيصال الفكر المعتدل، والمنهاج الوسطي إلى شريحة عريضة من المتلقين.
كما طرح الدكتور السعيد سليمان عواشرية من جامعة باتنة بالجزائر بحثاً بعنوان: “دراسة تقويميَّة لمدى نجاح الإصلاح التربويّ الجزائريّ في تضمين كتب اللغة العربيَّة بأدب المواطنة (كتاب اللغة العربيَّة للسنة الرابعة إعدادي أنموذجًا)”، بيّن فيه ما مرّت به الجزائر كالكثير من الدول العربية والإسلامية من هجمة غير مؤسسة من أفراد فقدوا الحكمة في تناول الأمور من خلال إشاعة فكر ضال متطرف منحرف، أدى إلى انتشار ظاهرة الإرهاب نتيجة توفر عوامل مساعدة من أهمها ضعف روح المواطنة لدى المواطنين.
تأهيل الأسرة
وفي بحث للدكتورة أحلام محمود علي مطالقة من جامعة اليرموك حول “آليَّات تأهيل الأسرة لتحقيق الأمن النفسي والفكري لدى الأبناء – منهج مقترح”، ناقشت الباحثة ضعف قدرة الأسرة على التعامل مع الجوانب النفسية والعقلية لأبنائها والاكتفاء بإشباع الحاجات الجسدية ظنًّا منها أن إشباعها كفيل بإيجاد شخصية متكاملة ممّا شكّل شخصيات غير متوازنة سهلة الانقياد لأفكار متطرفة، مما يتطلب إعادة النظر في تأهيل الأسرة لتطوير قدرتها للتعامل مع هذه الجوانب.واستعرضت الباحثة آليات تأهيل الأسرة لتحقيق الأمن والفكري، وآلية تعزيز مبدأ الحوار والتشاور في الأسرة، وآلية تعزيز التفكير المستقلّ بدلاً من التقليد وفرض الرأي، وتعزيز التفكير الموضوعي بدلاً من التفكير التبريري.
المملكة انموذج للنجاح
وفي مداخلة لمعالي مدير الجامعة الإسلامية الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله السند في ختام الجلسة قال إن أبحاث المؤتمر تركّز على الجانب العملي التطبيقي.وأكّد أن جهود المملكة في مكافحة الإرهاب أصبحت مضرباً للمثل مع ما تكبّدته أجهزة الدولة من خسائر وما بذلته من تضحيات في سبيل تحقيق ذلك.وأضاف أن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية بالرغم من تعرّضه شخصيًّا لمحاولة اغتيال آثمة إلا أن ذلك لم يَثنِ عزمه عن مواصلة الجهود في مكافحة الإرهاب، وما يبذله سموّه من خلال مركزه للمناصحة ورعاية الموقوفين وحرصه على نفعهم وإنقاذهم من براثن هذا الفكر المنحرف خير شاهد على ذلك، حيث إن الإحصائيات أثبتت أن أكثر من 90% ممن أفادوا من برامج المناصحة تراجعوا عن أفكارهم، مؤكداً أنه لمس بنفسه شخصيًّا عندما كان في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حرص وزارة الداخلية وسعيها الحثيث إلى إعفاء الموقوفين في قضايا الانحراف الفكري سابقاً من رسوم التعليم عن بُعد والانتساب، أكثر من حرص أهالي الموقوفين أنفسهم، مما يؤكد رحمة هذه الدولة بأبنائها، وحرصها على إنقاذهم من شرور هذا الفكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *