م/ شاهر محمد رقام
تأخذنا الحياة شرقاً وغرباً بحثاً عن الرزق أو لخوض تحدٍ جديد أو لأمر فيه تجديد.
في الغربة، وعلى دربي أنّا رحت أرسلت عيوني ومسامعي علّني أجد أو أسمع ما يطفئ ظمأي وحنيني للوطن. أتلفت يميناً وشمالاً لمجرد سماع صوت عربي وأتلهف للذهاب لمطعم عربي حكا لي عنه بعض الزملاء وأشعر بالسعادة والدفء، رغم أن المكان ليس في المستوى المأمول والطعام ليس ما تعودت عليه، وكل ما يسعدني هو الشعور بالقرب من الوطن.
آه من هذا الوطن الذي يجري في دمائنا فلا نستطيع منه فكاكاً. يتعبنا الشوق والحنين إليه ورغم ذلك نحبه بل ونعشقه. نعشق ترابه، رماله، حرارته، رطوبته، نعشقه بكل ما فيه وماعليه. نعشقه بحلوه و مره. نعشق صحاريه وبحاره. نعشق أزقته و حواريه. نعشق حتى رائحة الرطوبة المنبعثة من جدران بيوته العتيقة.
ترى أين ومتى وكيف أصبت بهذا الحب الذي ابتلاني الله به؟ لست أدري. كل ما أعرفه هو حبي لذاك المكان وتلك البقعة من الأرض ولست أقبل بها لا لوماً ولا عذلاً.
حين نشد الرحال، نأخذ معنا أمتعتنا والأهم منها نأخذ معها ثقافتنا وهويتنا ولست مبالغاً حين أقول نأخذ الوطن في رحالنا. حين نتقابل مع الثقافات الأخرى، يبدأ حوار فكري، حوار لا تتحرك به ألسنتنا فقط بل كل جوارحنا. كل مانقوم به من عمل أو قول هو إنعكاس لحضارتنا وثقافتنا عند الآخرين ومن خلالها يحكمون علينا سلباً أو إيجاباً.
لا زلت أذكر ذلك الرجل النمساوي الذي ظل يراقبني وزوجتي طوال رحلتنا خلال شهر العسل وقد كنت وقتها مشفقاً على زوجتي من كثرة النظرات الفضولية وهي تسير بحجابها بكل ثقة. اقترب مني ذلك الرجل يومها بكل أدب واحترام وعرفني بنفسه وقال لي أنه كان يراقبنا طوال رحلتنا ثم بادرني بالسؤال من أي البلاد أنتم؟ فأجبته، وعندها قال لي، إسمح لي ياسيدي أن أبدي إعجابي بك وزوجتك على تمسككم بعاداتكم وتقاليدكم.
حينها شعرت بالدم يتدفق في عروقي فخراً وكرامة. كم كنت ولا زلت فخوراً بصاحبتي. شعرت وقتها أنني نلت وزوجتي أعلى وأرفع الأوسمة. شعرت أن الله ساق لنا ذلك الرجل وأنطقه ليثبتنا على الحق ويزيد من قوتنا وتمسكنا بمبادئنا وثوابتنا ولكي ننشئ عليها أبنائنا كما فعل آباؤنا.
تذكّرْ دائماً أنّ، الأشجار العالية لها جذورٌ عميقة.