جدة ــ وكالات
وساطات مشبوهة ومؤامرات لا تعرف سطراً للنهاية، بهذه السياسة نسجت إمارة قطر، الراعى الأول للإرهاب فى الشرق الأوسط شبكة علاقاتها الخارجية، وفى حلقة جديدة من وساطات الدوحة المشبوهة رصدت أسوشيتد برس تحركات لتنظيم الحمدين، بإصداره قرارات بتعيين 5 من كبار القادة بالمكتب السياسي للحركة في قلب الدوحة، بعدما أنقذهم من معتقل غوانتانامو بصفقة مشبوهة.
وكانت حركة طالبان قد أعلنت من مكتبها في قطر، أن 5 من كبار قادتها الذين أطلق سراحهم من جوانتانامو في صفقة تبادل مقابل ضابط بالجيش الأمريكي خلال 2014 عادوا للقيادة مرة أخرى.
وتوسطت قطر لإطلاق سراح الملا عبدالغني بردار، المؤسس المشارك للحركة وأحد أبرز نواب مؤسسها الملا محمد عمر، من السجون الباكستانية، بعد القبض عليه في كراتشي جنوب البلاد خلال 2010، حيث أطلقت إسلام أباد سراحه بناء على طلب الدوحة، حسبما ذكرت وسائل إعلام قطرية.
وتعد عودة القادة السابقين في طالبان للعمل من الدوحة، ضمن اتفاقات اجتماع جرى مؤخرا في قطر بين ممثلين للحركة والمندوب الأفغاني-الأمريكي زلماي خليل زاد، الذي عينته واشنطن لتولي عملية السلام في أفغانستان؛ على أن يشارك القادة السابقون في مفاوضات السلام مع أفغانستان وأمريكا، إضافة إلى ذلك طالبت طالبان بالاعتراف رسميا بمكتبها السياسي في الدوحة.
والمثير للانتباه هو الاحترام الكبير الذي تكنه قيادات طالبان الحالية لهؤلاء الخمسة الذين قتلوا الآلاف وكان لهم علاقات وثيقة بمؤسس الحركة وبتنظيمات إرهابية أخرى مثل تنظيم القاعدة، والتأثير الذي يحمله بردار بشكل منفرد كونه أحد أبرز مساعدي الملا عمر.
ويتضمن المطلق سراحهم قائد قوات الحركة السابق محمد فضل الذي اعتقل في 2002، وأشرف على قتل الآلاف، والحاكم السابق لإقليم حيرات الأفغاني خيرالله خيرخوا الذي كان على علاقة وثيقة بمؤسس طالبان الملا عمر ومؤسس القاعدة أسامة بن لادن.
ويأتي بينهم نائب وزير الاستخبارات السابق للحركة عبدالحق واثق، وكذلك الملا نورالله نوري الذي وصفه مسؤولون أمريكيون بأنه أبرز قادة طالبان الذين تم حبسهم في جوانتنامو، نظرا لعلاقته الوثيقة بشدة بالملا عمر، إضافة إلى ذلك تم إطلاق سراح محمد نبي أحد مسؤولي الاتصالات السابقين في الحركة.
أما الملا عبدالغني بردار، الذي أطلق سراحه من باكستان، كان أحد أخطر قادة التنظيم، حيث قال عنه نائب وكالة الاستخبارات المركزية بروس ريديل، حين تم اعتقاله في 2010: إن “اعتقال بردار سيعرقل العمليات العسكرية لطالبان على الأقل على المدى القصير”، بينما قال محللون أفغان آنذاك إنه “خسارة للحركة عسكريا وسياسيا”.
وأعرب محللون عن مخاوفهم من أن “رجال طالبان الذين كانوا على علاقة وثيقة بالملا عمر قبل اعتقالهم لوقت طويل ثم عادوا اليوم إلى صفوف القيادة مرة أخرى، سيجلبون معهم الفكر المتطرف الذي شكل منهج الحركة في حكمها أفغانستان الذي استمر 5 سنوات وانتهى في 2001 بالغزو الأمريكي”.
وقال المحلل السياسي الأفغاني هارون مير لصحيفة “واشنطن بوست”: إن “طالبان تعيد الجيل القديم ما يعني أنها لم تغير من تفكيرها أو قيادتها”، رغم ما يبدونه من استعداد للمشاركة في محادثات السلام مع أفغانستان والولايات المتحدة.
وفي مارس الماضي، حذر جيفري هيجنز، العميل الخاص في هيئة مكافحة المخدرات الأمريكية والملحق المساعد لمكافحة المخدرات بالسفارة الأمريكية في كابول من استرضاء طالبان تحت شعار محادثات السلام، مؤكدا أن “طالبان لا تختلف في جوهرها عن التنظيمات الإرهابية الأخرى”، ليضيف: “هل تعترف الولايات المتحدة بحزب سياسي للقاعدة أو داعش؟ هل كانت لتسمح أمريكا لأسامة بن لادن بالانضمام للبرلمان الأفغاني إذا استنكر الإرهاب حينها؟”.
وبعد عامين من تأسيس مكتب طالبان في الدوحة، أعلن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أيمن الظواهري مبايعة زعيم طالبان آنذاك الملا أختر محمد منصور، والذي قتل في 2016 في ضربة لطائرة أمريكية بدون طيار جنوب غرب باكستان.
وجدد الظواهري مبايعته للزعيم الجديد لطالبان هبة الله أخوند زاده بعد مقتل الملا منصور، وهو ما يعني التزام تنظيم القاعدة الإرهابي بالعمل تحت تبعية حركة طالبان، التي تشهد عودة أقدم زعمائها مرة أخرى لصفوف القيادة وسط مخاوف من تعزيزهم للفكر المتطرف للحركة.
وقالت المحللة والباحثة السياسية المصرية المقيمة في الولايات المتحدة سينثيا فرحات: إن إطلاق سراح بردار بشكل خاص هذا الأسبوع يثير تساؤلات حول أسباب المندوب الأمريكي خليل زاد وقطر للتوسط في إطلاق سراح أحد أبرز وأخطر قادة التنظيم في هذا التوقيت، مع العلم أن طالبان حاليا توجّه القاعدة.
وأشارت فرحات في مقال نشرته على موقع “أمريكان ثينكر” إلى أن إطلاق سراح برادر له تداعيات خطيرة، محذرة من أن استرضاء الإرهابيين لم يثمر أبدا، ودائما ما أدى لتعزيز نشاطاتهم الإرهابية.
ونوهت بأن إطلاق سراح بردار قد يساعد تنظيم الإخوان الإرهابي كذلك، “فرغم اضمحلالهم المستمر مؤخرا في منطقة الشرق الأوسط فإنه قد ينعكس بالتبعية مع عودة نشاط القاعدة نظرا للعلاقة الوثيقة بين التنظيمين”، موضحة أن “عملاء الإخوان هم من أسسوا تنظيم القاعدة الإرهابي في الأساس، إلى جانب التعاطف العلني للظواهري مع الإخوان بعد الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، ملقيا باللوم على حزب النور السلفي لعدم انضمامهم إلى حزب الحرية والعدالة الإخواني”.
وحذرت فرحات من أن “تعزيز حركة طالبان بعودة قادتها القدامى الذين كانوا على علاقة وثيقة بمؤسس الحركة، وتنشيط تنظيم القاعدة الإرهابي بالتبعية، قد يعكسان النكسات الحالية التي يشهدها الإخوان الذين قد يستخدمون إرهاب القاعدة سلاحا لترهيب أعدائهم، واستعادة الخطاب المشجع لجهود تجنيد الشباب”.
وليس ذلك فحسب، فإن مكتب طالبان السياسي في الدوحة الذي تسعى الحركة للاعتراف به رسميا، يمكن أن يخدم كوسيط بين مختلف التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الدوحة مقرا لها، والتي تعاون وتعامل معها بردار شخصيا في الماضي.