** كنا صغاراً في بداية حياتنا.. نذهب الى دكان عم عباس جليداني.. نشتري منه حلاوة اللبانة التي كانت في حجم علبة الكبريت.. كان الدافع الى شرائها صور أولئك الفنانين “نجيب الريحاني”، وأم كلثوم وشكوكو التي كانت داخل علبة اللبانة.. وكانت الصورة التي شدتنا صورة فتاة نشعر بانها تعيش بؤساً طبيعياً، وبملامح هادئة. فكنت أذهب الى عم عباس جليداني أو ابنه “محمد” رحمهما الله، وأنا اشترط ببلاهة طفل أن تكون تلك الحلوى بها صورة هذه الممثلة التي أحملها معي.. فكان أحدهما يضحك، وهو يقول هذا لا يمكن يا ابني أنت وحظك.
بعد ذلك تقدم بنا العمر قليلاً، وذهبنا الى دور السينما التي كانت في أحد البيوت الشعبية ندفع ريالين لنشاهد ذلك الفيلم، وكان ذلك يجري من خلف “الهيئة” حيث كانت تدور قصة الهر والقط بينهما بين كر وفر.. وهناك شاهدت أول فيلم لها “صراع في الوادي” مع النجم الآخذ بألباب المشاهدات عمر الشريف.
كانت تلك الصورة في “جيبي” لا تكاد تفارقني، كنت كلما أشعر برغبة في “الحزن” أتطلع الى تلك الصورة الصغيرة.
كانت فاتن حمامة بحق سيدة مشاعري قبل أن تكون سيدة الشاشة العربية بأدائها الغامر في البساطة كأني أعرفها شخصياً، وفي تناولها القضايا.. في بساطة شديدة، كانت امرأة لها سطوتها على “الكاميرا” فتخضعها لتحركاتها فتصبح “الكاميرا” ِاسيرة لها.. كانت قادرة على أن تسرق زومها من أمام كل من يشاركها الوقوف أمام تلك “الكاميرا” ليمضي بها الزمن، وتلاقي أول امتحان نفسي ولمشاعرها في تخلي من أحبته “عمر الشريف” عنها بذهابه الى هوليوود بعد أن فرشت له الطريق الى هناك.. لتدخل الأزمة الأشد عندما فرت في بداية الستينات الى لندن هاربة بنفسها، وتبقى هناك في مأمن من خصومات وعداوات ضدها من الآخرين لتعود في بداية السبعينات برفقة أم كلثوم التي أقنعتها بالعودة الى مصر.. لتواصل عملها وابداعها الى أن قدمت فيلم “امبراطورية ميم”.. ثم “ضمير ابلة حكمت”، ذلك المسلسل “المبهر” لتنكفئ في الظل بجانب زوجها الدكتور محمد عبدالوهاب لتسلم الروح الى بارئها في هدوء واطمئنان.