جدة ـ البلاد
على نحو معلوم استغلت إيران الحرب الطائفية التي نتجت عن الفراغ الأمني الذي خلفه الغزو الأمريكي في 2003، وسقوط البلاد في دوامة العنف، بإطلاق المرجع الشيعي علي السيستاني في 13 يونيو 2014، فتوى دعا فيها العراقيين إلى “الجهاد” على أثر الانهيار السريع للجيش العراقي أمام حرب العصابات الخاطفة التي شنها تنظيم داعش ضده، فتولدت “الحشد الشعبي”،
وبدأت طهران في تمويل وتدريب مليشيات مسلحة في العراق تهدف إلى خدمة توجهها في المنطقة، ومن أكبر تلك المجموعات المسلحة الموجودة في العراق مليشيات ما يعرف بـ”الحشد الشعبي.
حرب بالوكالة
في تطور نوعي للحرب الإيرانية بالوكالة ضد أمن الخليج والمملكة العربية السعودية، قال الجنرال محمد علي فلكي القيادي في الحرس الثوري الإيراني إن إيران شكلت ما سماه “جيش التحرير الشيعي”. وذلك قبل أن يعدل الموقع المقرب من الحرس الثوري التسمية إلى “جيش التحرير”، وأكد “فلكي” في حوار مع موقع “مشرق” الإيراني أن هذا الجيش يقاتل على ثلاث جبهات؛ هي سوريا واليمن والعراق، تحت إمرة قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني.
وتتكشف ملامح جديدة للحرب الإيرانية بالوكالة ضد المملكة من خلال هذا الاعلان ، اذ ان ايران تخوض بالفعل حربا غير مباشرة مع المملكة ودول الخليج عبر أذرع محلية شيعية.
أما إعلانها عن تشكيل هذا الجيش فيحمل دلالات عسكرية بحسب الخبراء غرضه محاولة التلويح بالجاهزية للدخول في حرب مفتوحة،
فثمة تساؤلات هنا تنفتح لها الاقواس، في ظل تصريحات عدائية للحرس الثوري تجاه المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين، فهل تعلن إيران الحرب بشكل ملتوي عبر هذا الجيش وأداته القوات المحلية لتفلت من العقاب وتكون سيف مسلط على السنة ما سيعرضهم لمزيد من الاضطهاد الممنهج؟
الحشد وتجربة العراق
منذ لحظة التحول الأمني المفاجئ على المشهد العراقي بسيطرة تنظيم الدولة ”داعش”، على المدينة الموصل، أدرك الإيرانيون خطورة هذا التحول الذي كان من شانه أن يهدد هيمنتها على العراق، لذا أوعزت إلى الميليشيات العراقية في سورية، بالعودة إلى العراق والمشاركة مع القوات الحكومية في مقاتلة تنظيم”داعش”.
وفي خطوة داعمة لهذا التوجه أفتت المرجعية الدينية الشيعية العليا بالعراق “بالجهاد الكفائي” لمواجهة هجمات تنظيم الدولة وبذلك تأسست قوات الحشد الشعبي وهي عبارة عن قوات شبه عسكرية تنتمي إلى المكون الشيعي ظهرت في المشهد العراقي.
ويتألف الحشد الشعبي من الشباب الشيعي العراقي موزعين على أكثر من 42 فصيلًا، بعض تلك الفصائل تتألف من حوالي مليون شخص وأخرى تضم بضع مئات، يعزو مراقبون كثرة عدد الفصائل التي يتكون منها الحشد الشعبي إلى الرغبة في الحصول على امتيازات سلطوية وعسكرية.
وتنقسم فصائل الحشد الشعبي إلى قسمين: الأول هو الفصائل الكبيرة المعروفة، مثل منظمة بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وسرايا السلام ولواء الخراسان وغيرها. وهي تنظيمات ترتبط عقائديّاً وتنظيميّاً ومالياً في شكل مباشر بالإيرانيّين، وهذا يشكّل خطراً على مستقبل تلك القوّات ودورها في الصراع السياسيّ القائم في البلد.
فيما القسم الثاني هو من الشباب الذين استمعوا إلى نداء المرجعية الدينية بعد سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة في يونيو عام 2014 وانضموا إلى قطاعات الجيش والشرطة في حزام بغداد وفي محافظات أخرى، حسب عضو لجنة الأمن النيابية عمار طعمة.
ولكسب ود مليشيات “الحشد الشعبي” خصصت الحكومة العراقية قبل أيام جزءًا من ميزانية الدولة الاتحادية لعام 2015 لدعم المليشيات المسلحة.
قوة ضد السنة
تتهم هذه الميليشيات بارتكاب أعمال عنف طائفية بحق العراقيين السنة، في المناطق التي تستولي عليها، فقتلت عشرات المدنيين السنة “بإعدامات عشوائية”، وهي ممارسات تصل لمستوى جرائم الحرب كما تؤكد منظمات حقوق الإنسان الدولية، كما نفذت المليشيات الشيعية عمليات انتقام ذات طبيعة مذهبية بحق السكان السنة الذين لم ينخرطوا في الأعمال العدائية”، كما تقول المستشارة في منظمة العفو الدولية دوناتيلا روفيرا.
ولأجل ذلك دعا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، إلى حل الحشد الشعبي العراقي، متهما إياه بـ”تأجيج التوتر الطائفي”، وطالب بتشكيل حكومة عراقية تضم كل الفئات في البلاد.
قال الجبير: “الحشد الشعبي طائفي وتقوده إيران”، متهما إياه بـ”تأجيج التوتر الطائفي”، وأضاف: “كانت هناك تجاوزات خلال معركة الفلوجة، ونعتقد أن هذه الميليشيات يجب تفكيكها وينبغي على الجيش العراقي محاربة تنظيم “داعش”، داعيا إلى تشكيل حكومة عراقية “تشمل جميع الفئات والمجموعات في البلاد”.
اطماع
بات واضحاً ان ايران تهدف من خلال الحشد الشعبي وجيش التحرير الشيعي الى مضاعفة نفوذها في المنطقة، فإيران تخطط بحسب المراقبين الى دمج مليشيات الحشد الشعبي في الجيش العراقي بعد القضاء على تنظيم ” داعش” في العراق وبلاد الشام، وبذلك تستنسخ إيران تجربة حزب الله في لبنان لتطبقها في العراق ولكن على نحو مغاير،
فالحزب في لبنان يشكل أحد التيارات القوية الضاربة في النظام السياسي اللبناني غير الحكومي، أما في الحالة العراقية فإن تلك المليشيات ستكون في عصب النظام السياسي العراقي الحكومي، في إحدى أهم مفاصل الدولة العراقية وهي وزراة الدفاع العراقية، وبذلك يكون لإيران جيش رديف يدافع عن مصالحها الإقليمية خارج أراضيها. وبذلك تكتمل حلقات المليشيات المسلحة التابعة لإيران في دول ذات أولوياتها إقليمية لها: العراق مليشيات بنكهة الجيش الوطني سوريا قوات الدفاع الوطني ولبنان مليشيات حزب الله.
وتندرج الدعوات الإيرانية لتحويل مليشيات “الحشد الشعبي” العراقية إلى حرس ثوري، على غرار التجربة الإيرانية، في خانة تنامي قوة وطموح “الحشد” العسكري والسياسي، وترسيخها كذراع إيرانية في المنطقة. فلم تتردد إيران يوماً في إخفاء طموحاتها التوسعية تجاه المنطقة العربية والخليجية.
فقُبيل معركة الفلوجة ضد تنظيم داعش الإرهابي طالب عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني محمد صالح جوكار، بتشكيل “الحرس الثوري العراقي”على غرار الموجود في إيران، عبر دمج المليشيات الشيعية في العراق وجعل مليشيا “سرايا الخراساني” نواة لها.
وقال النائب الإيراني محمد صالح جوكار إن “تجربة الحرس الثوري أصبحت ناجحة ورائدة لدول المنطقة”. ورشح النائب الإيراني مليشيا “سرايا الخراساني” العراقية لتكون النواة الأولى لتشكيل الحرس الثوري العراقي مشيرا إلى تأييدها الفكرة منذ اليوم الأول للحديث عنها.
وأشار إلى أن سجل الحرس الثوري بات”حافلا بالإنجازات”، وأضاف: “إذا أرادت أي دولة في المنطقة تشكيل قوات مماثلة على غرار قوات الحرس الثوري الإيراني، فنحن جاهزون في إيران لتقديم تجربتنا والاستشارة بهذا الخصوص”.
وقال إن على العراق تطبيق التجربة الإيرانية بخصوص “حرس الثورة ونحن على أتم الاستعداد لتزويد العراقيين بنمط وهيكلية هذه القوات، ليتمكن العراق من تشكيل قوات حرسه”
وزعم جوكار أن تجربة الحرس الثوري نجحت في سوريا واليمن والعراق، وقال: “تجربة حشد الناس على تشكيل قوات شعبية تمسك بزمام الأمور كانت من أهم إنجازات قوات الباسيج في سوريا والعراق واليمن، وهذا النمط من تحشيد الشارع يعد تجربة خاصة بالباسيج”. وأضاف: “إيران كان لها دور بارز في تشكيل الحشد الشعبي في العراق وتشكيل قوات ما يسمى (الدفاع الوطني) في سوريا، وفي تجربة الحوثيين في احتلال صنعاء”.
دوره في سوريا
واحد أهم أهداف تشكيل إيران لمليشيات الحشد العراقية هو دعم نظام الأسد وعدم تعرضه لخطر السقوط بعد تسليح المعارضة السورية، بل لا يستبعد قيادي عراقي أن يكون المخطط يشمل أيضًا تشكيل مجموعات خاصة من ميليشيات الحشد لإرسالها إلى مناطق صراع النفوذ الإيراني مثل اليمن، ومصادر عدة تؤكد أن معظم فصائل الحشد الشعبي تقاتل في سوريا.
وبعضها عُرف على الساحة السورية قبل نشاطه على الساحة العراقية كسرايا الخراساني، حيث يؤكد المختصون أن تطورات الساحة العراقية لم تؤد إلى سحب قوات عراقية شيعية من سوريا كما أشيع، فما زالت عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وكتائب حزب الله وحركة النجباء وغيرها ترسل مقاتلين إلى سوريا بالتزامن مع مشاركتها في القتال في العراق وبالوتيرة السابقة نفسها.
إذ تستقطب هذه الفصائل مدًا بشريًا كثيفًا من الشباب العراقي الشيعي. وسقط لها مئات القتلى على الأراضي السورية في الغوطة ودرعا وحلب
حرب نفسية
يعد الاعلان الايراني بمثابة تصعيد إيراني جديد إن صح، كما أنه يأتي في إطار الحرب النفسية الإيرانية بحسب المراقبين، حيث يأتي الإعلان بعد يومين من إعلانها فتح منشآتها العسكرية لروسيا لضرب سوريا،
وإعلانها تسليح الحوثي علانية، فإيران بحسب المراقبين تريد أن تستأسد برغم الخسائر والأزمات الداخلية، برغم أن هذه التصريحات لم تؤكد رسميا من قبل الدولة إلا أنه لابد أن تؤخذ على محمل الجد، لأن الحرس الثوري بالفعل نجح في تشكيل ميلشيات شيعية في الدول الثالث ومن ثم يسهل دمجها في جيش واحد وتحت قيادة واحدة،
كما أن قادة الحرس الثوري يتحدثون منذ فترة عن مساعي تشكيل حرس ثوري عراقي، وقوات باسيج محلية، كما أن إيران ترسل رسائل بجاهزيتها للدخول بحرب شبه مباشرة عبر هذا الجيش المكون من قوات محلية بما يعني استمرار استهداف تفتيت وتدمير المجتمعات العربية عبر الشيعة، وعبر جنود مرتزقة.