أبها – مرعي عسيري
تزخر المملكة العربية السعودية بعدد من المواقع الأثرية التاريخية التي تدل على قدم وعراقة حضاراتها، والتي تروي أروع القصص عبر العصور التاريخية المختلفة، حيث تمتلك المملكة إرثاً حضارياً عريقاً موغلاً في القدم، يمتد منذ العصور الحجرية القديمة مروراً بالعصور التاريخية والإسلامية، بالإضافة إلى أجمل المناطق المزدهرة حضارياً وعمرانياً والمتمثلة في القصور والحصون والمنشآت العسكرية والدينية القديمة، والمعثورات والمقتنيات الأثرية، وأروع اللوحات والنقوش التي أبدع بها القدماء في عدد من المناطق المنتشرة في أرجاء المملكة.
وتعتزم المملكة تنشيط دورها في مجال السياحة لتكون في موقع متميز على خارطة السياحة العالمية ، من خلال “رؤية 2030″ وما تضمنته من تجسيد عملي طموح لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة .
فقد أكدت الرؤية على أن ” المملكة عُرفت على مرّ التاريخ بحضاراتها العريقة وطرقها التجارية التي ربطت حضارات العالم بعضها ببعض، مما أكسبها تنوعاً وعمقاً ثقافياً فريداً، لذلك سنحافظ على هويتنا الوطنية ونبرزها ونعرّف بها وننقلها إلى أجيالنا القادمة، وذلك من خلال غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية، والعمل على إحياء مواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي والقديم وتسجيلها دولياً، وتمكين الجميع من الوصول إليها بوصفها شاهداً حياً على إرثنا العريق وعلى دورنا الفاعل وموقعنا البارز على خريطة الحضارات الإنسانية”.
وترجمة لموافقة المقام السامي الكريم على تسجيل عدد من المواقع الأثرية ضمن قائمة التراث العالمي باليونسكو، قامت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بتسجيل المواقع المذكورة، نظراً لقيمتها التاريخية والتراثية الكبيرة التي أهلتها لتكون مصدر إشعاع حضاري وجذب سياحي متميّز على مستوى العالم.
وبالفعل تمكّنت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وخلال سبعة أعوام، من تسجيل خمسة مواقع تراثية ضمن قائمة التراث العالمي، حيث نجحت بتسجيل موقع مدائن صالح عام 1429هـ الموافق 2008م، وموقع حي الطريف بالدرعية التاريخية عام 1431هـ الموافق 2010م، وموقع جدة التاريخية عام 1435هـ الموافق 2014م، وأخيراً مواقع الرسوم الصخرية في جبة والشويمس عام 1436هـ الموافق 2015م، وموقع واحة الاحساء عام 1439هـ الموافق 2018م.
وتولي الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني اهتماما كبيرا بالاكتشافات الأثرية في المملكة ، ونتيجة لخطط الهيئة توالت اكتشافات فرق التنقيب في العديد من المناطق ، وآخرها ادراج فرع الهيئة العامة بمنطقة عسير 19 موقعاً أثرياً جديداً في سجل الآثار الوطني.
وحول هذه الاكتشافات أوضح مدير عام فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمنطقة عسير المهندس محمد العمرة، أن عدد المواقع التي أدرجتها الهيئة بسجل الآثار الوطني من مكتبها ببيشة ارتفع إلى 214 موقعاً، وذلك بعد تسجيل 19 موقعاً أثرياً جديداً خلال العام الجاري تمثل فترة ما قبل الميلاد وفترة الإسلام المبكرة، تتوزع بين 3محافظات، هي بيشة وتثليث وبلقرن.
من جهته أفاد مدير مكتب السياحة والتراث الوطني ببيشة عبدالله سعيد الأكلبي أنه تم تسجيل 14 موقعاً أثريا تتبع لمحافظة تثليث و 4 مواقع تابعة لمحافظة بيشة وموقعاً واحداً بمحافظة بلقرن خلال عام 2018م،مشيراً إلى أن هذه المواقع اكتشفت من خلال البلاغات المقدمة من المواطنين عبر مركز الاتصال السياحي ، مشيرا إلى أن هذه المواقع عبارة عن منشآت حجرية قديمة لمدافن أو مصائد أو أغراض أخرى، بالإضافة إلى مواقع إسلامية أخرى تحتوي على كتابات إسلامية لبعض السور والأدعية.
روائع آثار المملكة
يعتبر معرض “روائع آثار المملكة عبر العصور” واحدا من أهم المعارض السعودية العالمية التي مثلت التراث الحضاري للمملكة في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا ومؤخرًا في العاصمة الصينية بكين أولى المحطات الآسيوية للمعرض، حيث شكل المعرض فرصة هامة وحيوية لإطلاع العالم على الآثار الوطنية بالمملكة لما تزخر به من إرث حضاري كبير، ومقومات حضارية وتاريخية.
وقام المعرض بعرض عدد كبير من القطع الأثرية المتنوعة ذات القيمة الاستثنائية لأول مرة خارج أراضي المملكة، امتدادا لحضور المملكة العالمي ومكانتها الإسلامية باحتضانها الحرمين الشريفين، وكذلك دورها الاقتصادي وتأثيرها في العلاقات الإنسانية انطلاقا من موقعها الجغرافي المميز الذي شكل محورا رئيسا في المجالات الثقافية والاقتصادية بين الشرق والغرب، وجسرا للتواصل الحضاري عبر العصور وبين العديد من حضارات العالم القديم.
ويضم المعرض في محطاته داخليا وخارجيا مئات القطع الأثرية النادرة التي تغطي الفترة التي تمتد من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد) إلى العصور القديمة السابقة للإسلام، ثم حضارات الممالك العربية المبكّرة والوسيطة والمتأخرة، مروراً بالفترة الإسلامية والفترة الإسلامية الوسيطة، حتى نشأة الدولة السعودية بأطوارها الثلاثة إلى عهد الملك عبدالعزيز، رحمه الله. وأقيم المعرض منذ انطلاقه في عام 2010 في أكثر من خمسة عشر محطة داخلية وخارجية شملت دول أوروبية وأمريكية وآسيوية وعربية.
وحول القيمة العظيمة لآثار المملكة ومعارضها ، أكد وزير الآثار المصري الدكتور خالد العناني، أن معرض “طرق التجارة في الجزيرة العربية .. روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور”، يسهم في تغيير التفكير السائد لدى بعض الناس عن الحضارة السعودية بأنها حضارة إسلامية فقط، فبالإضافة إلى الحضارة العريقة والمتفردة في المملكة، هناك حضارات ما قبل العصر الإسلامي وما قبل التاريخ، منوها بنجاح المعرض في محطاته السابقة التي تَعرّف من خلالها شعوب العالم على حضارة وعراقة المملكة.
وأوضح في تصريح له أوردته (واس) أن القطع الأثرية تظهر أن حضارة المملكة العربية السعودية نتيجة موقعها الجغرافي، كانت ممرًّا أساسيًّا لطرق التجارة على مدار قرون، ما جعلها ذات طبيعة ومكانة خاصة ، منوها بالجهود التي تبذلها المملكة في إبراز الحضارات التي مرت على أرض الجزيرة العربية في دول كثيرة حول العالم، مؤكدا أن كون المحطة الخامسة عشرة للمعرض التي تقام حاليا في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة يمثل رسالة رائعة في التعاون بين جميع الدول العربية لإبراز الحضارات التي مرت على أراضيها، مشيرا إلى أن جمهورية مصر العربية ستستضيف هذا المعرض في جولاته القادمة .
يذكر أن معرض “طرق التجارة في الجزيرة العربية .. روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور” يستمر حتى السبت 11 جمادى الآخرة 1440هـ الموافق 16 فبراير 2019م، في محطته الخامسة عشرة، والمحطة الأكبر في تاريخ المعرض، حيث أضيفت لقطع المعرض الـ (466) قطعة أثرية قطعا أخرى تعكس جانبا من الأنماط المعيشية في الحضارات المشتركة في الجزيرة العربية، خاصة المتعلقة منها بالصحراء والفروسية والجمال والصيد بالصقور ووسائل الصيد الأخرى في الصحراء، إضافة إلى جناح للحضارات والتراث المشترك بين المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.
دعم المتاحف الخاصة
وإلى جانب الرصيد التراثي الهائل ومنظومة المتاحف الذي تشرف عليها الهيئة العامة للسياحة ، تقدم الهيئة ايضا مجموعة من الحوافز لأصحاب المتاحف الخاصة، منها مشروع اللوحات الإرشادية للمتاحف حيث يجري العمل على تركيبها، ومشروع التصنيف للمتاحف الخاصة لفئات (أ – ب – ج) حسب تنوع الأنشطة ومستوى المعروضات وتوثيق السجلات، ومشروع تسجيل بطاقات تعريفية على المعروضات التراثية بأسلوب علمي منظم، إضافة إلى مشروع تسجيل القطع على الموقع الإلكتروني بحيث تكون جميع العمليات الإجرائية من التراخيص والتصنيف ونقل المتحف من منطقة إلى منطقة تكون وفق نموذج إلكتروني تعمل عليه الهيئة.
كما تنظم الهيئة برنامجا تأهيليا لأبناء أصحاب المتاحف الخاصة كأحد مشاريع برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، والذي يحظى بمتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، لما له من أهمية في نقل المعارف والخبرات من الآباء إلى الأبناء، واستفاد منه أصحاب وأبناء المتاحف الخاصة من جميع مناطق المملكة، التي يبلغ عددها نحو ( 200 ) متحف مرخص، حيث يتضمن البرنامج عددا من ورش العمل وعرض تجارب لأصحاب المتاحف الخاصة.
يذكر أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تمنح الترخيص اللازم لأصحاب المتاحف الخاصة لمزاولة مهامهم تحت مظلة الهيئة، وتقوم بمساعدة أصحاب المتاحف الخاصة في الرقي بمنتجهم السياحي، وتقدم المساعدة الفنية والإدارية لهم لتسهيل قيامهم بواجباتهم ضمن المنظومة السياحية، إضافة إلى جعل المتاحف الخاصة ضمن المسار السياحي للمناطق أو المحافظات التابعة لها، والترويج للمتاحف الخاصة في مطبوعات الهيئة الخاصة ونافذة إلكترونية في موقع الهيئة تضمن معلومات أساسية عن كل متحف، وصورا وموقع المتحف وكيفية الوصول إليه.