•• يبدو للناظر اليه والمستمع له كأنه بلغ من العمر شوطاً كبيراً لما يسرد من ذكريات وتفاصيل اخبار ودقائق امور.. مع أنه لم يبلغ من العمر إلا شوطاً قصيراً، لكن ميزته بتلك القدرة السردية هي التي أعطت الانطباع ذاك عنه.. فهو له عين لاقطة.. واذن واعية، وذاكرة مستوعبة.. وقدرة على السرد الجاذب لاذن المستمع، وتلك ميزة – المؤرخين – للأحداث سواء كانت أحداثاً اجتماعية أو حتى سياسية فلا يملك – طرد – ما يدرك من خلفيته الذهنية فتظل حية واضحة المعالم في ذاكرته.. لهذا سجل نجاحاً مغرياً عندما راح يسجل ذلك التاريخ – الشفوي – لسكان «جدة» تلك المدينة المليئة بكل عوامل الابهار فنسج من تحركات بحارتها حكاياتهم مع البحر، وما كانوا يلاقونه من أهواله وعجائبه.. ولا تغيب عنه حركة أولئك الذين يتحركون في أزقة العلوي أو ميادين حارة المظلوم بكل تفاصيل حياتهم.. أو صورة عم – أحمد – الذي يجلس أمام جرة الفول – بطاقيته – البلدي المنشاة.. أو عم – محمد – ذلك العطار النابه وهو يوصف ذلك الدواء لمن يحتاجه.
كل ذلك يمتحه من داخله بروح تحمل الكثير من البهجة المغلفة بكثير من البساطة في التناول والعرض.
إن أحمد محمد باديب وهو الذي يحمل روح المدرس الذي يملك وسيلة الشرح امتلاكاً ظاهراً كسبه من عمله مدرساً في مدارس الثغر.. كما أنه يملك قوة الملاحظة، وهي صفة لا تتوفر إلا عند من عمل في جهاز هو روح الأمن، وذلك اعطاء ميزة النجاح في عمله، والدقة في الوصف.
كما أن لديه حاسية القيادة وذلك بفتحه لأبواب بيته للآخرين، وتلك ميزة تنم عن – كرم – لا يهواه إلا أصحاب النفوس السخية الكبيرة القادرة على العطاء. ولعل تأسيسه لمركز احمد باديب للدراسات والاستشارات الاعلامية دليل على اريحية العطاء التي يمتاز بها .. وتعطيه قوة الحضور الايجابي في مجتمعه الذي يشعر به ويعطيه من ذاته انها سمة النفوس الكبيرة.
أضف الى ذلك ما كان يحرضه على التفاعل ما يدور في مجتمعه من فعاليات يحرص على أن يكون أحد العناصر الفاعلة بها وفيها، وتلك ميزة اخرى اكتسبها من أولئك الشخوص الذين عاش طفولته في أحضانهم، وتحت رعايتهم.. وهذه كانت الرصيد القوي لديه في مستقبل حياته التي لم يفلت أو تفلت منه.
إنه بحق ذلك الرجل المتعدد المواهب والصفات الذي يؤمن بأن مشاركة الناس في قضاياهم من سمات النفوس المجبولة على فعل كل ما هو نافع، بل وضروري في مجتمعه الذي عاش في كينونته فأعطاه كل تلك الميزات الإنسانية التي جعلت منه فرداً له مكانته.. فهو يؤمن بتلك المقولة لا يخدم بخيل، لهذا ذهب الى فتح خزانته للبذل في أكثر من اتجاه – ثقافي – ومجتمعي ايماناً منه بأهمية ذلك على مسيرة – المجتمع – أي هو ضد ذلك القول الذي يقول: قع «ضره» تأكل سكر، بل افتح قلبك ويدك تأكل شهداً.
وتلك هي أخلاق الناس.. أبناء الناس.