مقالات الزملاء

الهنود .. قادمون

شاكر عبدالعزيز

 

كنا في الزمن القديم في مصر منذ 45 سنة او تزيد اذا كنا نريد التندر على انسان ما في انه لا يستوعب او يفهم بسرعة الموضوع المثار للنقاش نقول له (انت هندي) وكنا نضحك على هذا الوصف المجازيَّ .. الى ان جاء لمصر الرئيس جمال عبدالناصر ووضع يده مع اثنين من ابرز زعماء العالم عقب ثورة 1952م في مصر هما الرئيس الهندي جواهر لال نهرو والرئيس اليوغسلافي جوزيف تيتو ووضع هؤلاء الثلاثة خارطة (دول عدم الانحياز) في العالم وظهرت في العالم قوى ثورية جديدة تنادي بالسلام والتعايش السلمي والمطالبة بالحريات للدول الغير مستقلة.
مصر في هذه الفترة انفتحت على الهند وحاولت التعرف على ثقافتها .. وظهر في مصر المكتب الثقافي الهندي الذي يعرض كل اسبوع افلام هندية متنوعة وعرف المصريون افلام “سنجام” وافلام هندية تناقش الواقع الهندي الداخلي واحبها الناس بأغانيها الهندية الدافئة والوانها الزاهية المناظر الطبيعية الرائعة عن الهند التي تعرضها هذه الافلام.
بعد سنوات جئت الى العمل في جدة وخلال عملي الصحفي تعرفت على المستشار الثقافي الهندي في جدة وكانت السفارة الهندية في موقعها القديم بحي البغدادية بجدة وكان المستشار الثقافي ضياء الرحمن قد ادرج اسمي واسم زوجتي فيمن يحق لهم حضور العرض السينمائي الاسبوعي مساء كل خميس حيث يعرض علينا احد الافلام الهندية الجديدة الانتاج وكنت مع زوجتى ونحن في (عز الشباب) نقطع المسافة من البغدادية الى العمارية بعد مشاهدة الفيلم شميا على الاقدام، نسيت ان اقول ان الضيافة التي كان يقدمها لي صديقي المستشار الثقافي الهندي (وهو مسلم) عندما ازوره في السفارة كانت عبارة عن (قطعتين من البطاطس محشورة بالفلفل والمتبلات والشطة) ويكفي ان تأكل قطعة منها لتصرخ من حجم الشطة الموجودة فيها يعقبها شاي بالحليب للتخفيف من هذه النار الموقدة في الافواه..
استمرت علاقتي الجيدة بالاخوة الهنود العاملين في المملكة فوجدتهم في الحقيقة حريصون على هندامهم الجيد وشكلهم المقبول شاهدتهم في (سوق الذهب) في دبي وهو من اكبر اسواق الذهب في العالم وتبيع فيه فتيات هنديات كل اشكال الذهب بطريقة مقبولة تجعلك اذا دخلت السوق فلابد ان تشتري منه لانهم بائعون مهرة.
أعود فأقول انني اعالج حالياً في مستشفى خاص في جدة تسيطر عليه “العمالة الهندية” وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال فهذا المستشفى يستخدم عمالة هندية من الفراش او الفراشة وحتى الطبيب او الاخصائي كلهم “هنود في هنود” وهم منظمون منذ دخولك للمستشفى وحتى حجز تذكرة الكشف والعرض على الطبيب المختص او اجراء بعض الكشوف او التحاليل او الاشاعات كل هذا يتم في انسيابية وسهولة وترتيب منظم واستطاع هذا المستشفى ذو الادارة الهندية ان يستقبل اعداد كبيرة جداً من العمالة الهندية العاملين في جدة ومعها عمالة اخرى من جنسيات اخرى عربية واسيوية وحقق نجاحاً بفضل التدريب والتخطيط الجيد بل ان المستشفى توسع بعد تطبيق التأمين الصحي لكي يبني مبنى جديد وحديث بفضل الاقبال الذي يشهده وعندها سحبت المقولة الشهيرة (انت هندي) لاقول ان الهنود قادمون وناجحون ايضا.. والله من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *