حيدر إدريس عبدالحميد
تعلمنا منذ صغرنا المشاركة في الأعمال والأنشطة الزراعية وأن نستجيب لدعوات الكبار ونداءات (الفزع أو النفير) والمعنى طلب النجدة أو المساعدة المجتمعية لإنجاز عمل ما. والتطوع عمل من صميم تعاليم ديننا الحنيف.
كنا نشارك في درس القمح أي فصل الحبوب عن السنابل بواسطة الحمير حيث تجهز (التقاه) وهي قطعة أرض تغمر بالماء ثم تدلج (تدك) جيداً حتى تصبح صلبة ويُنصب في وسطها عود وتنثر السنابل وتجمع الحمير في صف واحد وتربط إحداها في العود ثم التي تليها وهكذا حتى تتحرك في شكل دائري وتدوس بحوافرها القاسية على سنابل القمح ونقوم نحن بالسير خلفها لحثها على التحرك والدوران بسرعة, أما أجمل ما في الأمر بالنسبة لنا هو انتهاء هذه العملية التي نطلق عليها (النوريق أوالنورج) حيث يختار كل صبي (حمارة) لينطلق بها فرحاً إلى منزل صاحبها وتكون (حمارة العود) وهي عادة مسكينة وهادئة للأصغر سناً .بعد درس القمح يأتي نفير النساء وهو ما نسميه الضرِّيي (أي يضرين أو يذرين) حبوب القمح التي تتساقط على أرض التقاه بينما يتجمع التبن بعيداً وتعتمد سرعة العمل على حركة الرياح في وقت لم تكن فيه حاصدات ولا دقاقات.
وفي مراحل سابقة تطور هذا الأمر عند وصولنا أعتاب المرحلة الثانوية فشجعنا ذلك على العمل في الإجازة الصيفية في نظافة الجناين (البساتين) وبيع البرسيم الحجازي في أسواق مدينة كريمة على الضفة الأخرى للنيل.
وهذا الفعل المجتمعي موجود في كل أنحاء السودان حتى في العاصمة الخرطوم وإلى يومنا هذا حيث صبغ حياة السودانيين وأكسبهم كل البهاء الذي يتميزون به والتكاتف والتعاون الذي يغلف شخصياتهم وما زال الناس ينفرون استجابة لأي دعوة لتشييد منزل أو إغاثة ملهوف وغير ذلك مما يستدعي مشاركة جمهرة من الناس كما صاحب هذا الفعل قيام الجمعيات الخيرية والتعاونية والاستهلاكية و(هلمجرا) لتجميع طاقات المجتمعات بما يعود بالنفع على الجميع.
واليوم ينطلق في ولاية شمال كردفان (نفير النهضة) وهو نفير على مستوى عال وبمشاركة تتعدى حدود الولاية لمواجهة ما تعانيه من ضعف في البنية التحتية خاصة في مجال التعليم من مدارس مشيدة بالمواد المحلية إلى مدارس الرحل وتوفير الإجلاس للطلاب وتهيئة البيئة التعليمية وحل مشاكل مياه الشرب والصحة والزراعة وهو نفير شامل لتحقيق ما لم تحققه ميزانية الولاية والحكومة المركزية.
إن تضامن الناس في السودان وتكاتفهم يشمل الكثير من نواحي الحياة ..في السراء والضراء مما يصعب حصره وهذا النسيج الاجتماعي المتماسك عصي على التمزق والتفتت.