محليات

النبش في ذاكرة صهريج مسجد المعمار بجدة

بقلم : عبد الوهاب أبو زنادة


 

طالعت بالأسف كله التقرير الصحفي الذي نشرته جريدة الحياة بتاريخ العاشر من يناير 2017 , تحت عنوان شنان رنان هو (اكتشاف البئر التاريخية لمسجد المعمار) بمحافظة جدة .. وقد ازدان التقرير بصورة جماعية لأعضاء اللجنة الخماسية من خبراء الآثار الممثلين للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وأمانة محافظة جدة في داخل الصهريج ( البئر المزعومة) .

تقول العامة إن لأهالي جدة ذواكر تنعبش أحياناً وتخربش أحياناً أخرى, يستنفرونها عند الحاجة لحماية تراث مدينتهم .
– وبما أنني أتشرف أن تكون ذاكرتي معنية بتلك المقولة .. فقد قامت مشكورة بالنبش أو النعبشة في التقرير الصحفي المذكور واستخرجت من بين تضاعيفه محاور التهريف الثلاثة التالية التي قُصد بها الاستخفاف بعقل القارئ , ثم قدّمتها لي بهدف تصويبها وإيضاح الحقائق للقارئ وللمسئولين في الهيئة والأمانة :

أولاً: يقول الناطق باسم خبراء اللجنة الخماسية : (اكتشاف البئر التاريخية التي كانت تغذي المسجد بالمياه). في واقع الحال فإن الاكتشاف المزعوم ليس بئراً ,بل صهريجاً ,وعرف في جدة بمسمى (صهريج المعمار) ,إلى ذلك فالصهريج لا يغذي المسجدة, بل كان يغذي بركة الوضوء الواقعة في أرضية ميضأة المسجد الملاصقة للصهريج جنوباً . واعتقد أن خبراء اللجنة الخماسية الموقرة يعرفون الفرق بين البئر والصهريج .

ثانياً: يقول الناطق باسم خبراء اللجنة الخماسية : أنهم اكتشفوا مجرى آخر كان يصل عين (فرج يسر) بالمسجد لتغذية الميضأة بماء الوضوء .

إن التصريح أعلاه ليس له عندي أي وصف غير أنه نوع من التهريف المرتجل للأسباب التالية :

أولاً: أؤكد هنا استحالة أن يكون هذا المجرى مصدره (عين فرج يسر), لسببين الأول أن منهل عين فرج يسر منخفض عن مستوى أرض الطريق بحوالي أربعة أمتار. بينما يرتفع صهريج المعمار بحوالي ثلاثة أمتار عن أرض الطريق.

ثانياً: إن (عين فرج يسر) قد أجريت أساساً كرافد إضافي لسد حاجة سكان مدينة جدة من ماء الشرب بواقع أربعة أيام في الأسبوع وليس لإمداد ميضأة المعمار بماء الوضوء .

وبناءً على ما أسلفت فإن المرجَّح أن المجرى (المتَّهم) بتغذية ميضأة المسجد ممتد على أرضية الواقع من (بازان المظلوم) الواقع على الامتداد الشمالي لزقاق أبو زناده مروراً بالقطاع الغربي لسوق الجامع ثم على امتداد انحدار زقاق (بير جوهر) لتغذية منهل المعمار (بازان زفّه) الذي كان ملاصقاً لصهريج المعمار , والذي ألغى الحاجة إلى بركة الوضوء , فتم ردمها واستبدالها بنظام صنابير الوضوء الحالي .

وبازان المعمار هذا واحد من شبكة البازانات التي انتشرت في أحياء مدينة جدة لتزويد السكان بماء الشرب ضمن مشروع (العين العزيزية) العظيم التي أمر بإجرائها جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه في عام 1367هـ .. وهو المشروع الذي تعمَّدت اللجنة الخماسية من خبراء السياحة والتراث وأمانة محافظة جدة تجاهله طمعاً في

استقطاب الأضواء وتسليطها على اكتشافهم المزعوم بعد أن نوَّموا الحقائق وأيقظوا سطوة التحريف والتهريف في تراث مدينة جدة المعمورة .

ثالثاً: يقول الناطق باسم خبراء اللجنة الخماسية عن تاريخ بناء مسجد المعمار ما يلي :
(تشير المصادر التاريخية إلى أن بناء مسجد المعمار تم على يد والٍ يدعى مصطفى معمار باشا عام 1263 وأنه جدد عام 1284) .

– وبمثل ما هّرفت اللجنة الخماسية في التراث الجداوي ,هرفت أيضاً في الواقعة التاريخية لبناء مسجد المعمار التي تدعمها الحقائق التالية :

– أولاً بداية قام قرَّه مصطفى باشا بتأسيس وإقامة المسجد المذكور , بعد ذلك قام المعماري أحمد كرد المعمار ببنائه على النموذج المعماري العثماني الذي عرفه الناس في جدة وكان ذلك في عام 1053هـ فاكتسب المسجد مسماه من اسم المعماري أحمد كرد المعمار .. هذا أولاً .

رابعاً: إن التاريخ الذي أورده الناطق باسم اللجنة الخماسية لتحديد تاريخ بناء المسجد وهو عام 1263هـ غير صحيح لأنه يختزل من العمر الحقيقي لهذا المسجد مائتين وعشرة أعوام . وبهذا يتضح لنا أن عمر المسجد هو ثلاثمائة وخمسة وثمانون عاما وليس مائة وخمسة وسبعين عاما ,طبقاً لتحديد اللجنة لتاريخ بنائه عام 1263هـ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *