جدة ــ البلاد
“ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين”.. عبارة أعلن بها خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، تسمية القمة العربية الـ 29 بقمة القدس، ما اعتبره مراقبون ترجمة لمشاعر ملايين العرب والمسلمين، الذين سادتهم مشاعر الغضب والاستياء بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نيته الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في ديسمبر الماضي.
قضية القدس كانت وما زالت في قلب المملكة العربية السعودية ، على مدار تاريخها منذ عهد المؤسس طيب الله ثراه، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده – حفظهما الله فقد دفعت المملكة الغالي والنفيس من أجل نصرة الأقصى المبارك، ودعم القضية الفلسطينية، انطلاقاً من قيادتها وريادتها للعالم الإسلامي على مر السنين.
ويعد موقف المملكة من قضية فلسطين من الثوابت الرئيسية لسياسة المملكة، بدءًا من مؤتمر لندن عام 1935م المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة والذي وقفت فيه المملكة موقف المؤيد والمناصر للشعب الفلسطيني – وقد نالت قضية فلسطين جل اهتمام القيادة الرشيدة، على مدار عقود من الزمن وسجل التاريخ موقف المملكة الثابت والمناصر لقضية فلسطين.
لكل هذا وذلك تحاول “البلاد” في هذه السطور استقراء مواقف المملكة المشرفة تجاه القضية الفلسطينية عموماً والقدس خصوصاً:
افتتاح اول قنصلية عامة :
في عام 1943م، أسست المملكة قنصلية عامة لها في مدينة القدس بفلسطين؛ لتسهيل الاتصالات مع الشعب الفلسطيني وتيسير الدعم لقضيته العادلة، وفي عام 1945م، أرسل الملك عبدالعزيز؛ طيّب الله ثراه، إلى الرئيس الأمريكي روزفلت؛ رسالة يشرح فيها القضية الفلسطينية، وأسهمت هذه الرسالة في تغيير موقف إدارة روزفلت؛ ووعده بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل، وتعد هذه الرسالة من أقوى الرسائل في تاريخ الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
وفي يونيو 1967م، تمكنت حملة التبرعات الشعبية في المملكة من جمع مبلغ أكثر من 16 مليون ريال في حينه، أما في ديسمبر 1968م، فصدرت فتوى شرعية عن كل من سماحة مفتي المملكة آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم؛ ومن بعده عن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمهما الله- بجواز دفع الزكاة إلى اللجان الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني.
وفي 1969م، وجه رئيس اللجنة الشعبية لدعم الفلسطينيين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ بصفته آنذاك رئيساً للجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، – خطاباً مفتوحاً برقم 22 – 1 – 3159، يدعو فيه السعوديين إلى الاكتتاب لمصلحة رعاية أسر مجاهدي وشهداء فلسطين بنسبة 1 % من رواتبهم، ولاقت تلك الدعوة قبولاً كبيراً بين أوساط الموظفين في الدوائر الحكومية.
في عام 1969م، أسفرت جهود المملكة عن انعقاد مؤتمر الدول العربية والإسلامية في الرباط؛ المغرب، وتم الاتفاق في حينه على إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حالياً) التي تضم في عضويتها 57 دولة عربية وإسلامية، وطُرحت مبادئ الدفاع عن شرف المسلمين وكرامتهم المتمثلة في القدس وقبة الصخرة، وذلك كمحاولة لإيجاد قاسم مشترك بين جميع المسلمين.
سجل الشرف :
قامت اللجنة الشعبية لدعم الفلسطينيين في الرياض برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ بصفته آنذاك رئيساً للجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، بمشروع “سجل الشرف” الذي استهدف زيادة حجم الإيرادات والتبرعات الشعبية، ويلتزم من خلاله الأفراد والتجار والشركات والمؤسسات بتقديم تبرعات شهرية أو سنوية منتظمة لحساب اللجنة الشعبية، كما التزمت الغرفة التجارية في الرياض بالاكتتاب بنسبة 10 % من قيمة اشتراكات الأعضاء.
وفي 1988م، أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بصفته آنذاك رئيساً للجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، أن المملكة لم تتخذ يوماً من الأيام موقفاً مؤيداً وداعماً للقضية الفلسطينية من أجل أن يأتيها الشكر والتثمين من أي كان على هذه المواقف المبدئية؛ لأن القضية بالنسبة للمملكة ليست مجرد قضية دولية عابرة، وإنما هي بالفعل قضيتها الأساسية والمركزية، ولذا ستبقى مواقف المملكة المسؤولة تجاه القضية الفلسطينية، معبرة بحق عن مواقف الأمة العربية ومصوّبة ومقوّمة لما يجب أن تكون عليه الرؤية العربية تجاه فلسطين
وفي عام 1989م، افتتح الملك سلمان حين كان أميراً للرياض آنذاك مبنى السفارة الفلسطينية في الرياض، ورفع العلم الفلسطيني على مبنى السفارة، وفي 1997م، قلّد الرئيس ياسر عرفات؛ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسام نجمة القدس؛ تقديراً لجهوده الاستثنائية الخاصّة في دعم الشعب الفلسطيني، وذلك في حفل كبير في إمارة الرياض.
وبعد قرار الرئيس ترامب باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، أبدت المملكة أسفها الشديد من جراء هذا الإعلان، مؤكدة أنها سبق أن حذرت من العواقب التي وصفتها بـ “الخطيرة” لمثل هذه الخطوة غير المبررة وغير المسؤولة.
وكان الديون الديوان الملكي قد اصدر بياناً جاء فيه: “تأمل حكومة المملكة العربية السعودية أن تراجع الإدارة الأمريكية هذا الإجراء (نقل السفارة الأمريكية إلى القدس)، وأن تنحاز للإرادة الدولية في تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، وتجدد التأكيد على أهمية إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، والمبادرة العربية، ليتمكن الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، ولإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة”.
أقوال تاريخية:
في عام 1929م، وقف الملك عبدالعزيز مع الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال رغم الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد آنذاك ، وبعث الملك عبد العزيز تبرعاً عاجلاً للفلسطينيين، سُلِّم لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين محمد أمين الحسيني؛ مع رسالة عاجلة.. جاء فيها: “قد غمنا هذا وأحزننا جداً ولم نكتم ما كان لتلك الحوادث من الأثر المؤلم في أنفسنا منذ بلغتنا وأظهرنا ذلك في وقته ومحله”.
وعند صدور مشروع تقسيم فلسطين الذي أقرته “لجنة بيل” عام 1356هـ، قال الملك عبدالعزيز؛ مخاطباً الوزير المفوض البريطاني في جدة: “لا يوجد عربي صادق يوافق على التقسيم، وإذا قيل لكم: إن أفراداً في بلد عربي يوافقون على التقسيم فثقوا أن أغلبية ذلك البلد لن توافق عليه”.
في عام 1935م، بعث الملك عبدالعزيز؛ الملك سعود -ولي عهده- إلى فلسطين؛ لتفقد أوضاع الشعب الفلسطيني عقب ثوراته المتعدّدة، وقال الملك سعود؛ في أثناء الزيارة: “إن أبناء الشعب الفلسطيني هم أبناؤنا وعشيرتنا، وعلينا واجب نحو قضيتهم سوف نؤديه”.
وأرسل الملك عبدالعزيز الملك فيصل وزير الخارجية آنذاك، إلى فلسطين لدعم الموقف الفلسطيني، في عام 1937م، وهناك قال: “أرسلني والدي الملك عبدالعزيز في مهمتي هذه إليكم ففرحت فرحتين: الفرحة الأولى كانت من أجل زيارة المسجد الأقصى المبارك والصلاة فيه، أما الأخرى فكانت لقاء هؤلاء الثوار لأبشرهم بأن جهودهم لن تذهب سُدى”.
في عام 1976م، قال الملك خالد بن عبدالعزيز في حديث صحفي: “إن المملكة تعمل كما تعلمون جادة مخلصة وبكل إمكاناتها وطاقاتها لنصرة الحق العربي الإسلامي في فلسطين وتحرير مدينة القدس، وهي لا تدخر في ذلك وسعاً ولن تدخر ونحن في المملكة نتطلع إلى مؤازرة الدول الإسلامية الأخرى؛ لأن ثالث الحرمين الشريفين إنما هو حق من حقوق الأمة الإسلامية يجب أن تغار عليه وتعمل لاستخلاصه من براثن الصهيونية”.
وفي عام 1984م، جاء في خطاب الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله في وفود الحجاج: “إن نداء القدس لا يزال يدوي في أسماعنا، وتلك صيحات إخواننا من أبناء الأرض المحتلة لا تزال في أعماقنا، والعدو لا يزال في غيه وعتوه، يسفك الدماء ويقتل الأبرياء ويعيث في الأرض فساداً”.
وفي عام 2006م، قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز: “إن المنطقة لن تعرف قراراً ولا استقراراً ما لم يعترف العدو قبل الصديق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وحقه في العودة إلى بلده وحقه في إقامة دولته على تراب وطنه المغتصب وهذه الحقوق لا تقبل تفاوضاً ولا جدلاً”.