باريس- أ ف ب
يعيد الانفجار الذي وقع الخميس في المفاعل النووي في مدينة فلامانفيل الواقعة في شمال غربي فرنسا وضع علامات الاستفهام حول مخاطر المفاعلات النووية في البلاد. خاصة لحضورها القوي داخل المشهد الطاقي الفرنسي، وللتحذيرات التي ما فتئت تطلقها المنظمات البيئية وفاعلون سياسيون يصفونها بـ”القنبلة الموقوتة”.
من الشمال إلى الجنوب على الخارطة الفرنسية تقع مفاعلات نووية تستعمل لأغراض إنتاج الطاقة الكهربائية، عددها الإجمالي يصل إلى 58 مفاعلا، ما يجعل فرنسا المنتج الثاني في العالم للطاقة النووية بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
أنتجت هذه المفاعلات 77 في المئة من الطاقة الكهربائية الفرنسية (سنة 2014). ويعمل في قطاع الطاقة النووية الفرنسية، اليوم، ما لا يقل عن 222 ألف شخص، كما تشير تقديرات منظمة “الجمعية الوطنية للطاقة النووية”.
وإن كان إنتاج الكهرباء عبر النووي يوفر لفرنسا ولبعض جيرانها احتياجاتهم من الكهرباء، ويسد الثغرات في فاتورة الطاقة، التي تلتهب كلما ارتفعت أسعار البترول، إلا أنها تطرح بالمقابل إشكالات بيئية ومخاوف من كارثة بيئية؛ ما يدفع جزءا من المجتمع الفرنسي (أكثر من خمسين في المئة حسب بعض استطلاعات الرأي) إلى طرح سؤال التحول إلى مصادر بديلة، والمطالبة بالتخلص تدريجيا من المفاعلات النووية.
موقف لا تتخذه فقط المنظمات المدنية بل صار يوجد في صلب النقاش السياسي وفي برامج المرشحين للانتخابات الرئاسية خاصة في أوساط اليسار.
وبدأت الحكومات الفرنسية المتعاقبة في تشييد المفاعلات النووية من الخمسينيات من القرن الماضي، في سياسة جعلت من الطاقة النووية مدخلا لإنتاج طاقة كهربائية تحقق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء في البلد الذي كان يعيش فورة صناعية بعد الحرب العالمية الثانية.
سياسة أعطت أكلها ودفعت إلى ولادة فاعلين اقتصاديين مهمين في البلاد، وفي مجال إنتاج الطاقة كشركة “كهرباء فرنسا” EDFالتي كانت وراء بناء أول مفاعل نووي في منطقة شينون، وأصبحت لاحقا من أكبر منتجي الطاقة في أوروبا وتدير اليوم جل المفاعلات النووية. صناعة النووي التي تنشط فيه أكثر من ألف شركة، تحقق للبلاد جزءا من استقلالها في مجال الطاقة وتوفر عليها سنويا 20 مليار يورو، حسب المصنعين.
لكن وراء هذه الإمكانات الاقتصادية التي يوفرها النووي للبلاد، تعيش فرنسا منذ حوالى أكثر من العقدين من الزمن نقاشا حول كيفية الخروج من زمن “النووي”، خاصة بعد حوادث منعزلة وقعت في المفاعلات النووية في السنوات الأخيرة.
ولربما كانت سنة 2015، النقطة التي أفاضت الكأس فيما يخص التعامل مع مخاطر المفاعلات. فقد أفرز مفاعل غولفيش في منطقة تارن إي غارون، ضعف الإشعاعات التي كان من المفترض إفرازها، حسب “هيئة الأمن النووي” الحكومية، طيلة ست دقائق. لكنها الدقائق التي كانت كافية لتشعر المجتمع الفرنسي بأن كارثة نووية مسألة دقائق لا أكثر.في شتاء العام 2016، أوقفت شركة “كهرباء فرنسا” الإنتاج داخل 18 مفاعلا نوويا من أجل المراقبة التقنية والتأكد من سلامة الآليات. التوجه الصارم الذي نهجته السلطات كان للقطع مع كل الشكوك التي تحوم حول المنشآت، التي رصد تقرير للهيئة الحكومية داخلها أكثر من “87 عيبا” وطالبت بالتحقيق فيها لمعرفة إن كانت تتحمل الضغط الإنتاجي، وتستجيب لكل المعايير التي يستلزمها القانون وشروط السلامة.