الأرشيف شباب وبنات

المخدرات في ثوبها الإلكتروني

كتبت – أماني ماهر
مثلما دخلت التكنولوجيا الحديثة وتربعت على عرش كافة المجالات كونها لم تترك باباً إلا وطرقته، دخلت أيضاً عالم المخدرات من أوسع أبوابه حيث بدأ الناس جميعاً يتحدثون عن المخدرات الإلكترونية التي بدأت تغزو العالم كله، فقد تجاوزت مكان نشأتها في الولايات المتحدة لتنتشر عبر الإنترنت إلى مناطق كثيرة في الشرق والغرب ويقبل عليها الكثير من الشباب… والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستتحول المخدرات الإلكترونية إلى تجارة واسعة مثل المخدرات التقليدية وسيكون لها تجّارها الذين يتلاعبون بحياة الأفراد؟ وهل سيتم السيطرة عليها من خلال الشبكة العنكبوتية أم سيقتصر علاج هذه الكارثة بالتوعية الأسرية والدينية؟
ماهية المخدرات الإلكترونية
يصفها مروجّوها بأنها تحميل أو تنزيل إيقاعات هلوسة موسيقية على جهاز الحاسب الآلي وعند استماع الفرد لهذه الموسيقى يحدث له نفس تأثير تدخين سيجارة مع الماريجوانا أو تناول جرعة من الكوكايين.
ويعدّ موقع \"آي دوزر- I Doser\" الأميركي هو الأكثر شهرة في الترويج لتلك المخدرات الإلكترونية وهو المكلَّف ببيع هذه الإيقاعات التي أصبحت منتشرةً إلى حد ما بين الشباب الأمريكيين، وتحتوي على تصنيفات مختلفة يسميها الموقع هلوسة، مخدرات روحية، جنسية، سعادة، مضادات للقلق، مخدرات سريعة، مخدرات نقية، و يحتوي كل صنف منها على إيقاع مختلف في كل أذن من الاثنتين وتسمى الإيقاعات المزدوجة، عندما تستمع لفترة طويلة إليها تصاب بنوع من النشوة الخفيفة، تمزج فيها الصوتيات بمؤثرات بصرية، إلاّ أنها في الغالب تكتفي بالموسيقى المزدوجة لإيصال المستخدم إلى نشوة شبيهة بالمخدرات المعروفة وتفصله عن عالمه الواقعي، أي أنها تكون بالاستماع لنمطين موسيقيين مختلفين في نفس الوقت ولكن بأذن مختلفة لكل نمط وبشكل غير متداخل، وهو ما يخلق شعوراً غريباً في العقل يقارب درجة السكر أو السطل وربما لهذا أحس البعض بالصداع والكآبة عند الإفراط في السماع، وهو نفس ما يسببه الكحول والمخدرات في حالة الإفراط وتجاوز الحد.
يشيد بها مدمنوها كونها سهلة الوصول عبر محركات البحث على الإنترنت، ويزداد عدد زوّار هذا الموقع بصفة مستمرة، وهي أيضاً مخدرات مسعّرة مثل المخدرات التقليدية فيتراوح سعر الجرعة الموسيقية من 3 إلى 9 دولارات، ويزود المشتري بالجرعة الأولى مجاناً حتى يتم الاعتياد عليها ويقع المدمن في الفخ!
سهلة الحصول
تعد هذه المخدرات كارثة حقيقية وأكثر خطورة من المخدرات العادية لأنها لا تتطلب من الفرد سوى الضغط على زر واحد لتأتي إليه الجرعة المطلوبة وتصبح بين يديه في الحال، فمن الصعب السيطرة عليها.
كما أنها لا تتطلب الشم مثلاً مثل الهيروين ولا الحقن، إنما كل الذي تتطلبه هو سماعات أستريو للأذن مع جو هادئ ونور خافت وصوت مرتفع إلى حد ما للجرعات الموسيقية التي يطلبها المدمن، وبتكرار الاستماع يصل إلى الإحساس المرجو.
كما تكمن أيضاً الخطورة بها في أن عالم الإنترنت واسع وهذه المواقع لا تقع تحت القانون وسيكون من السهل تبادل الإيقاعات المختلفة ما بين الدول، فهي ليست كـ \"شُحنة كوكايين أو أفيون\" يمكن أن تكتشف عن طريق جمارك المطارات، فالوضع معها مختلف، لأنه بمجرد برامج الإرسال الإلكتروني تصل شحنة الإيقاعات إلى البلد التي وقعت الصفقة.
والخطورة الأكبر التي تهدّد المجتمعات العربية هي أن هناك العديد من الأقاويل التي تؤكد أن بعض مواقع هذه المخدرات بدأت في إقامة قواعد بيانات لمختلف الأشخاص وتجمع أكبر كمّ معلومات عنهم لتروج لهم المخدرات الحقيقية الأخرى وتتخذ من هذه المواقع سبيلاً لها لتحقيق ذلك.
حلول
أكد الدكتور محمد كمال المهدي طبيب المخ و الأعصاب أن هذه المخدرات تسبّب خطورة بالفعل وليس هدفها المرح واللعب والنوم فقط لأنها تؤثر مباشرة على كهرباء المخ وتحدث انفصالاً تاماً عن الواقع وقلة التركيز، ومن الممكن أن تؤدى في النهاية إلى تشنجات وحالات صَرَع لا يمكن السيطرة عليها، مضيفاً أن علاج هذه الحالات سيكون أصعب لأن الإنترنت الآن موجود في كل بيت ولا يمكن الاستغناء عنه، فيجب أن يتمتع الشخص المعالج بقوة في الشخصية وقوة إرادة تمنعه من الدخول على مثل هذه المواقع فترة جلوسه على الإنترنت.
وفي نفس السياق علق الدكتور محمد عصمت استشاري الأمراض النفسية والعصبية قائلاً إن هذه المخدرات لها جانبان سلبي وايجابي؛ فهي تقلل دوافع الإقبال على المخدرات الحقيقية، ولكنها في نفس الوقت تجعل المتعاطي أكثر قابلية عليها من غيرها ومن الممكن أيضاً أن تخلق لدى الكثير من الشباب وعياً و شعوراً خاطئاً بأنها ليست ضارة أو محرمة، فهي مجرد سماع جرعات معينة من الموسيقى.
وعن رأي علماء الاجتماع فقد أكدت عزة كريم أستاذ علم الاجتماع أن الأسرة والتنشئة الاجتماعية السليمة هي الحل الأمثل لمواجهة أية خطورة تواجه المجتمع بالإضافة إلى الواعظ الديني المستمر، فيجب على كل أسرة أن تنبّه أبناءها إلى مميزات ومساوئ الإنترنت وأن يتم مراقبة أفعالهم والتغيرات التي يمرون بها، ومعظم الأشخاص الذين يلجأون إلى مثل هذه الانحرافات يعانون من مشكلات اجتماعية ونفسية معينة.
كما ترى أيضاً أن انتشار مثل هذه المخدرات في الدول العربية سوف ينشأ الكثير من الأضرار الاجتماعية وتفكك الأسر التي من الممكن أن ينتج عنها التشرد وغيره، مضيفة أن عالم المخدرات يقضي على مقدرات الأمم.
وحول تأثيرها على قدرة الشباب الإنتاجية قال مختار الشريف أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة المصرية أن هذا النوع من المخدرات إذا تم انتشاره بالفعل ما بين الشباب بشكل كبير سوف يضعف من قدرته على العمل بما ينتج عنه ضعف للقدرات الإنتاجية لدى المجتمع، وسوف تكون البلدان العربية في مواجهه شبح خطير على اقتصادها القومي في ظل ظهور أشكال جديدة ومستحدثة للإدمان كل يوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *