جدة – البلاد
احتفت ديوانية الأستاذ محمد السالم بجمعٍ من المثقفين، ورجال الأعمال والاقتصاد والإعلام والأكاديمين، وبالمحلل المالي والعضو المنتدب لشركة “الخبير المالية” الأستاذ عمار أحمد شطا، الذي ألقى بدوره كلمة استعرض فيها الدور الرئيسي الذي يجب أن يلعبه المحللون والمستشارون الماليون بالتأثير على الشركات والاقتصاد بشكل عام، إضافة لبعض الاستشرافات حول المستقبل الاقتصادي للمملكة.. أدار الحوار معه الإعلامي الدكتور عبدالعزيز قاسم.
عِلم المال:
تطرق الأستاذ عمار إلى عدة نقاط في الندوة، كان أولها شرح لمفهوم “عِلم المال”، وهو علم ذو أسس – بسيطة – على حد قوله – تعني بآلية الاستحواذ على المال، وتنميته، والحفاظ عليه من التضخم والتآكل.
عرّف الأستاذ عمار التحليل المالي بشكل أدق أيضاً :”هو العلم الذي يدرس التكلفة مقابل المنفعة”، وقد ذكر استشهاداً في هذا الأمر الآية الكريمة “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا…” (سورة البقرة، آية:219) بأن تعريف القرآن للخمر، يشرح بشكل مباشر التكلفة مقابل المنفعة، أو الضر (الخسارة)، إضافة إلى حديث الرسول- عليه الصلاة والسلام: “الغنم بالغرم..:.” الذي يُثبت أن مبدأ تناول التكلفة مع المنفعة يعتبر أحد الأسس الإسلامية، والذي يمكن تطبيقه فيما يخص الشؤون المالية من خلال المحللين الماليين.
وأن هذا العلم ينقصه التطبيق بشكلٍ عام على مستوى الشركات والقطاع العام والأفراد، مما جلب القصور في قراءة النتائج المالية لديها، وأدى طوال العقود الماضية إلى سوء تقييم الوضع “الاقتصادي” الراهن أم ذاك، وصعوبة الاستشراف – وربما استحالته – خلال العقد القادم.
يركز “علم المال” على مهنة “المحلل المالي” والذي يعتقد فيه معظم رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين وغيرهم من أفراد المجتمع، أن حاجتهم للاستعانة بالمحلل المالي ليست حاجة ماسة أو ضرورية، وذلك بعكس ما هو معروف عنه لدى دول العالم الأول، والاقتصادات الناجحة التي غالباً ما تستعين بالمحللين الماليين في خطواتهم منذ التأسيس، مروراً بتقييم الوضع الراهن، وانتهاءً بدراسة المستقبل من الناحية الاقتصادية.
اعتبارات مرتبطة بمفهوم المحلل المالي:
شرح الأستاذ عمار أن أهم الاعتبارات المرتبطة بالمحلل المالي هي: “القيمة الزمنية للمال”، إضافة إلى الاعتبار الثاني: “القوة الشرائية” وأخيراً: “الربح” فأياً من هذه الاعتبارات، إن تأثرت بشكل سلبي، ستؤثر على منظومة الاقتصاد بشكل مباشر. إضافة اإلى الاعتبار الأهم، وهو “المخاطر” الذي يستوجب دراسته قبل اتخاذ أي قرارات مالية، أو قرارات متعلقة بالاقتصاد على جميع المستويات بأن تؤخذ ضمن الحسابات، وهي ملخصةً في ثلاثة أمور: “تقييم المخاطر مادياً”، و”تسعيرها”، و”احتمالية حدثوها على أرض الواقع”. فإن تمت دراسة هذه الاعتبارات بشكل دقيق، سيقود الأمر بالوصول إلى قرارات أقل مخاطرة، وأكثر واقعية متناغمة مع الحالة الاقتصادية التي تتزامن مع كل قرار.
الركود الاقتصادي:
يرى الأستاذ عمار أن سعر “45 دولاراً” لبرميل البترول سيقود المملكة إلى استقرار مالي كبير على جميع الأصعدة، مشترطاً بذلك ترشيد الصرف، وأيضاً تحفيز الاقتصاد لدى القطاع الخاص بدعمه عبر خفض الرسوم، وزيادة الإنفاق الحكومي لصالح القطاع الخاص مع تقليل مساهمة القطاع الحكومي على مستوى إنشاء المشاريع وإدارتها وتوظيف الأفراد فيها.
تحدث أيضاً أن عام 2017م سيكون عاماً صعباً على الأفراد والقطاعين الخاص والعام، وربما قد لا يكون هذا العام هو العام الأفضل في اقتناص واستثمار الفرص؛ نظراً لحالة التقشف، وشد الأحزمة التي تمر بها المملكة، مع قلة الصرف على المشاريع. ناهيك عن عدم تحرك سوق العقار والمقاولات (في البيع والشراء) بشكل عام خلال عام 2016م، والذي سيطول العام القادم حسب تحليله.
وعن الميزانية المعلنة:
اعتبر الأستاذ عمار، أن إعلان الميزانية بشكلها الأخير، الذي تضمن استعراض العديد من التفاصيل – التي لم تكن المملكة معتادة عليها طوال العقود الماضية – أول خطوات النجاح. والذي تم فيه الإفصاح عن الكثير من التفاصيل المالية، مع استعراض التحديات.
ورغم تحفظه الكبير على الرسوم الحكومية المفروضة على القطاع الخاص (على عدد العُمال) غير السعوديين في المنشآت الخاصة. مع الإشارة إلى أن دور الإعلام في المملكة قد ساهم بالعمل ضد القطاع الخاص؛ عبر تصوير “التاجر” بشكل عام على أنه شخص “جشع”، يهدف إلى استغلال المواطن، وهذا الأمر غير صحيح، وغير دقيق.
الأسئلة الموجهة لمعالي وزير التخطيط المهندس عادل فقيه:
وعن الميزانية المعلنة خلال الأسبوع الماضي، أوضح مجموعة من التساؤلات سبق أن عرض بعضها عبر حسابه الرسمي في تويتر، مع العديد من المشاركين الآخرين، والتي يرى من وجهة نظره أن أخذها في عين الاعتبار، ومحاولة التجاوب والاستجابة إليها، سيقود إلى نتائج إيجابية، حيث لخَصت هذه التساؤلات معظم الجوانب المتعلقة بالحالة الاقتصادية لمستقبل المملكة مع الوضع الراهن، والتي تمنى الأستاذ عمار استجابة معالي وزير التخطيط لها، بل واعتبارها تساؤلات جوهرية تحتم عليه كوزير للتخطيط بالتنبؤ لها، مستمعاً لما يقوله الطرف الآخر من المعادلة، وهو القطاع الخاص، فيما يتعلق بمصلحة الوطن.
كما تناول في تساؤلاته العديد من النقاط؛ كان أبرزها سؤاله، إن كانت وزارة التخطيط قد درست حالة الأموال المهاجرة إلى خارج المملكة، وهل ستكون هناك آلية لاسترجاعها، وأخرى عن دراسة حالة الضريبة والمصاريف الأخرى الموضوعة على عاتق القطاع الخاص، واستفاهمه عن دراسات تدرس حالة مرونة الطلب والعرض من طرف المستهلكين على القطاع الاقتصادي.
باعتبار أن وزارة التخطيط تمثل العصب الرئيسي لإدارة شؤون ومستقبل حالة جميع الوزارات في المملكة في جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من الجوانب.
ومن أبرز نقاط المناقشات التي استحوذت على اهتمام حاضري الديوانية ما طرحه الشيخ / أحمد فتيحي كاستفسار عن أهمية وجود وإجراء دراسات وتحليل لتأثير العجز الاجتماعي في الاقتصاد على المدى المنظور والطويل، بجانب الدراسات والتحليلات القائمة لمعالجة العجز الاقتصادي في الميزانية للتحول الاقتصادي.. والتي يمكن إيجاد حلول له (العجز الاقتصادي) عن طريق الخطط والرؤى.. لكن العجز الاجتماعي الناتج عن تغير القيم والمفاهيم في المجتمع، وتأثيره على المسار الاقتصادي قد يتسبب في نشأة وتكون مفاهيم وبيئة ومناخ وسلوكيات من الصعب معالجة نتائجها دون تكلفة عالية مستقبلاً.. مما يحتم إجراء دراسات تحليلية اجتماعية لتقييم تأثير متغيراتها وتشخيصها، وتحديد أفضل السبل والبرامج للتعاطي معها قبل تراكمها وتوسعها كسلبيات مكلفة اقتصادياً ومجتمعياً.