الآن، وقد أُسدل الستار على أعظم منافسة، سيبدأ المؤرخون والمحللون في العودة إلى كل نقطة ميزت هذه الدورة، ودراستها من كل الجبهات، خلال هذه البطولة التي نجحت بكل المقاييس، فقد استمتعنا قرابة الشهر بالمستوى العالي، بعيدا عن الخيبة العربية ونظيرتها الأفريقية، وسط حسرة كبيرة بغياب المنتخب الجزائري، لكن تحليل هذا المونديال يقودنا إلى استخلاص بعض الأمور المهمة جداً.
المجد للواقعية
ذلك الأسلوب الذي ولد لذيذا بصلصة الطماطم هناك في بلاد البيتزا والباستا في إيطاليا، فطالما كان “الأزوري” سفيرا لهذا الأسلوب، الذي يعتمد على تحصين الدفاعات، ومنع الخصم من الوصول إلى المرمى، ثم الضرب في الظهر بكرات غدارة، يئن بها دفاع الخصوم، التي تبحث عن السيطرة، وتعد التمريرات، وتحصي المراوغات، أسلوب يعتمد على دفاع حديدي، وسط متماسك، وهجوم يقوم بكل الأدوار طيلة التسعين دقيقة، الواقعية الإيطالية كانت حاضرة بقوة في طريقة لعب الفرنسيين الذين لم يظهروا أي جمالية في مشوارهم، غير أنهم خضعوا لقانون الكرة العادل، فالواقعية للتتويجات، والجمالية للمتعة، الأولى يسجلها التاريخ وتكتب بحروف من ذهب، والثانية تنسى بعد صافرة الحكم النهائية.
المجد لأفريقيا
القارة التي خرج ممثلوها في أول الأدوار، غير أن مواهبها وأبناءها حضروا حتى لحظة حمل التاج العالمي، أفريقيا لم تكن ممثلة فقط بخمسة منتخبات، بل بأسماء كثيرة، بعضها لعب أساسيا وساهم بقوة، والآخر احتياطيا دعم ووقف وساهم معنويا.. أبناء القارة السمراء يشكلون ثلاثة أرباع المنتخب الفرنسي المتوج باللقب، وقرابة نصف المنتخب البلجيكي ثالث الترتيب، وحضور هنا وهناك في العديد من المنتخبات.
المجد للتكوين
ما بلغته فرنسا لم يأت من فراغ، فالحديث عن الأصول الأفريقية للاعبين لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يمحو العمل الأكاديمي الكبير المنجز على مستوى المدارس الكروية، فأكبر المواهب المطلوبة في سوق الانتقالات حاليا هي نتاج هذا التكوين، الأرقام الخرافية التي انتقل من خلالها بوغبا، مبابي، ديمبلي، وأسماء أخرى مرشحة لأن تتجاوزها، النجاح الفرنسي لم يتوقف عند تقديم منتخب فائز بالمونديال، بل منتخب بلغ خمسة نهائيات في آخر عشرين عاما، يضاف إليه خدمة العديد من المنتخبات الأفريقية بمنحهم لاعبين جاهزين من كل الجوانب.
المجد للجماعية
المدربون الذين اعتمدوا على تماسك فرقهم دون أخذ الأسماء بعين الاعتبار نجحوا، الأرجنتين انتظرت ميسي أن يقوم بالمعجزة؛ فلم نر إلا شبحا على ملعب الميدان، نفس الأمر للبرازيل التي علقت الآمال على نيمار، فلم يكن إلا طفلا مدللا يسقط ويتقلب كلما لمسه أحد، نفس الأمر للبرتغال التي لم ينجح كريستيانو رونالدو وحده في صنع الفارق، غير أن فرنسا نجحت بمجموعتها المتماسكة، العلاقة الجيدة بين اللاعبين خاصة لاعبي الاحتياط بالأساسيين، وديشامب أثبت أنه لم يخطئ بإبعاد بنزيمة، ليس لأن كريم أقل مستوى من جيرو؛ فهذا لا يتقبله عقل، لكن من أجل المجموعة وما حدث من قبل.
المجد للاستقرار
هذه الكلمة التي لا تسمع بتاتا في الرياضة العربية، هي المفتاح الرئيس للنجاحات، ألمانيا التي خرجت من نصف نهائي كأس العالم 2010، حافظت على استقرار الأجهزة الفنية ،و بقي يواخيم لوف ليحقق التاج في مونديال البرازيل بعدها، كذلك الأمر هذه المرة مع المنتخب الفرنسي الذي احتفظ بمدربه ديشامب رغم خروجه من الدور ربع النهائي، وخسارته نهائي اليورو على أرضه وأمام جماهيره، لتحصد في الأخير التاج العالمي والنجمة الثانية في قميص الديكة.