أرشيف صحيفة البلاد

اللحظة.. الفارقة

كان يجلس في ذلك الظل الوارفِ.. ويده تمتد بين لحظة واخرى الى عنقود العنب المتدلي من تلك “العريشة” وعيناه تذهبان الى البعيد وأذناه تصغيان السمع لأي دبيب نملة.. لقد قطع الفيافي.. ذاق فيها ألوان العذاب.. استرق واضطهد وهو يخدمها ليل نهار.. كان لفح النار يشوي أطرافه كان ينظر اليها وقلبه مشغول.. وفكره في البعيد يبحث عن حقيقة غير هذه التي أمامه انه يشعر أن كل هذا الذي يحيط به أمر ليس بالأمر الصحيح كيف يمكن للإنسان ان يعبد ما يصنع أو أن يخضع لما يعمل على اشعاله.. هذه “النار” تطفيها رشة مطر.. ويكفي لاخمادها أن تكف عن قذف أي وقود فيها لتهمد.. وهذه ليست صفات رب.. تذكر كل هذا وهو يجلس تحت تلك العريشة ليأكل من عنبها في لحظات راحة يسرقها بعيداً عن مخدومه.
هذه أخباره تأتي مع القادمين من “مكة” لقد طال الانتظار.. فجأة قذف ما بقي من حبات عنب في يده وهو يسمع ذلك الذي يصرخ من أعلى النخلة يا بني “قيلة” إن هذا صاحبكم قد أقبل.. راح يقفز الحواجز ويدخل في وسط الجموع وهي “تهجز” وتنشد طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. عيناه دمعتا وهو ينظر إليه من البعيد كان على “القصواء” قلبه يعتصر في داخل صدره يريد أن يقفز ليضعه بين كفيه يفعل به ما يشاء لكن كتم كل ذلك في نفسه. اتى له بعنقود عنب قائلاً في صوت خفيض انه صدقة.. ابتسم في وجهه معتذراً قال في نفسه هذه واحدة أنه لا يقبل الصدقة في اليوم التالي قال في نفسه هذه الثانية انه يقترب من معرفة الحقيقة قائلاً هذه هدية، أخذه منه في حدود ثالث يوم.. راح يدور حوله.. لمحه، علم ما يريد، مكنه ليشاهد ما يبحث عنه بين كتفيه انه خاتم النبوة.. انكب عليه لثماً وتقبيلاً هدهده حتى اطمأنت نفسه.. ومن لحظتها لم يفارقه كان العاشق والمحب والمخلص منذ ذلك اليوم حيث شعر أن كل ما لقيه من عنت وتعب في مشوار حياته الطويل.. الطويل.. وكل ذلك العذاب الذي عاشه بحثاً عن الحقيقة كان برداً وسلاماً في داخله وهو يجلس أمامه.. يسمعه.. يحادثه.. يحاوره.. يقربه منه منذ ذلك اليوم بدأت حياة جديدة له.. كأنها بداية الوجود والحق له.. ليفوز بذلك اللقب العظيم عندما قال عنه صلوات الله عليه وسلامه “سلمان منا أهل البيت”.

الحسون