الأرشيف شذرات

الكوخ

ذات ليلة أحسست بالملل والضيق…فخرجت لأستنشق الهواء العليل..ونسمات الليل الندية..على ضوء القمر الساطع…فأخذت أتجول في الأزقة المظلمة…حينها هبت ريح قارسة البرودة…وأظلمت الدنيا…وبدأت تتساقط قطرات البرد…وأخذ المطر ينهمر ويتساقط بشدة…لم اجد ما احتمي به سوى الأشجار …جلست تحت أغصان الشجر لأحتمي بها…أخذت أدير نظراتي هنا وهناك…فشاهدت ضوء خافت قريب مني…اتجهت ناحيته والمطر ينهمر على وجنتاي…حتى اقتربت منه فإذا هو كوخ صغير…طرقت الباب بهدوء ولكن لم يجب احد..أخذت اطرقه مرة أخرى ..حينها سمعت صوت ضعيف..يقول من الطارق…فقلت فتاة لم تجد ماتحتمي به عن المطر…فتحت الباب بهدوء..نظرت إلى الداخل فلم اجد سوى عجوز مسنة…رحبت بي وقالت تفضلي يابنيتي…فدخلت وجلست ولكني أحسست بالخوف والرعب…أخذت أدير نظري في أرجاء الكوخ…النوافذ والأبواب تتمايل يمنه ويسره…تكاد ان تسقط من القدم..حينها قدمت لي كوباً من الشاي الساخن…وقالت تفضلي الشاي…شربت قليلاً منه..ثم نظرت إليها فإذا بها ترتعش من البرد..وجسمها نحيل..وظهرها قد احدودب من الكبر..وملابسها ممزقة…والكوخ يكاد ان يسقط..لا احد بجوارها…سوى الغابة الموحشة..والظلام الدامس…والفقر الشديد..فقلت لها اين أولادك …فقالت ليس لدي أولاد …فقلت تعيشين وحدك في هذا الكوخ..ردت وهي تبكي وقالت لي رب واحد ..ادعوه ولست وحيده كما تقولين..ولم يبقى من العمر أكثر من مامضى..ولم يبقى إلا الموت وسكراته..والقبر ووحشته..والكفن وظلمته…والجنة ونعيمها والنار وعذابها وحرها…ثم قالت لي ألا تريدين ان تذهبي إلى منزلك…فقد هدأ المطر..فقلت بلى…ولكن أريد ان تعديني وتعاهديني ان أكون ابنتك الوحيدة…فردت والبسمة تعلو محياها اعاهدك على ذلك…ثم قبلت رأسها وودعتها وذهبت..

أمل الفايدي
السعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *