رؤية- ماجد الغامدي
حالةٌ ما يحاولها البيت! ونحن معه نحاول الثبوت على فكرة واضحة ولو قليلاً! حالة يزيد فيها وقت التفكر والتأمل والتدبر والحزن والآهة في حروف اللين والهاء التي نجدها في “وين – يا و- ـــه – ــراك )..
التفكر والتأمل والحزن والآهة.. معان أكدتها حروف لينة وزافرة، ولوّنَها بإحكامه لفظ “وقفت”، وهي كلمة صريحة في التعبير عن موقف الشاعر الباحث في صمت وسكون! بحثًا عينيًا وعقلياً،
وهنا ما زلنا نتأرجح على حبلي الخطاب والغياب والموقف يؤكدهما في شدة وصمت وامتزاج بحال رائعة مثيرة من حالات الشاعر!الشاعر الذي لم يحاول الظهور وإبداء موقفه ووجوده إلا في حرفين اثنين: (ـــ(ت) “وقفت” – (أ) “أتحرى) فكان تاء الفاعل! وماذا فعل!؟ إنه وقف! هل هذا موقفُ فعلٍ حقًا؟ نعم هو موقفُ فعلِ مَنْ هَدَّهُ العشق والشوق! موقف فعل باحث عن شيء في الخارج وليس في الداخل!
فالوقوف لا يكون عما في القلب وعمق الإنسان! لا أجد أنه يحتاج إلى وقوف إطلاقًا؛ وإنما الوقوف يكون في حال وجود طرف آخر نبحث عنه!
إذن المقصود أو صاحب الوجه أو الوجه له آثار في الخارج خارج الشاعر! وفي الوقت نفسه لا ينفي ذلك كونَ صورةٍ له في العمق بدأ منها الخطاب! يسألها (تلك الصورة القلبية للوجه) عن كينونتها في الخارج!
الجزء الآخر من ماهية الوجه (جزء الجسد/ التشكيل اللفظيّ).وهنا الشاعر لا يملك غير التحري والبحث الصامت في جو من “الزحمة” التي تصوّرها لنا “بين الوجوه الراحلة والمقيمة”!
لا أحد يحس به ربما!آتحرّاك أنا و (أنا) ضمير مستتر وجوباً لا يصح التصريح به، كما لا يصح النطق بمهمة البحث في الوجوه الراحلة والمقيمة (لا يقولها أمام الناس ولا يقولها في حضوره)! إنها رحلة صامتة كما قلنا! وظروف الحياة والمجتمع تمنعنا من التصريح بها أمام الناس!!
ماذا عن كاف الخطاب في “أتحراك” أو هاء الغائب في “أتحراه”، والشاعر اختار كاف الخطاب!!هل هناك حدود لغوية أو لفظية للتعبير أو لتحجيم المعاني النفسية والمواقف المرادة؟
– كاف الخطاب:
في الوقت الذي يتلاشى فيه وجود فاعلية للشاعر تبدأ من صمت التاء، ثم محاولة الانفجار في الهمزة، ثم التلاشي في الاستتار الواجب لضمير المتكلم في الفعل “أتحرى”! يمر بكلمتين دالتين عن افتقاده (وقفت آتحرى) فتأتي كاف الخطاب مؤكدة لحضوره رغم كل شيء!
هل كان الأمر محاولة لفظية لا واعية لطمأنة الذات الكاتبة! لم يحب الكاتب أن يقول “وقفت أتحراه” بضمير الغائب!، أم تنقلنا الكاف إلى خطاب حقيقي خطاب يؤكد أن النداء كان “لشبه النائي” وشبه النائي يكون للغافل أو السالي! بمعنى: أن روح الحب والألفة التي كانت في ذلك الوجه لم تعد فيه !
فهو الآن مخاطب حاضر ولكن فقدَ توهّجه الحبيب إلى نفس العاشق! فصار موجودًا وغير موجودٍ! حاضرًا وما كان فيه لم يعد فيه!
– هاء الغيبة:
كانت تأكيدا لكل معاني الفقد والبعد والنأي واللاوجود، وتشديدا في لفظ الآه، وإمكان الوجع!ربما لم تقنعه هاء الغائب لأنها زفرةُ يأس ستحطّم ما بقي من أمل ! أتحرّآآآآآآآآآآآآآآآه !! وبداية الانهيار تأتي من السماح بالخطوة الأولى.لذلك فقد جعلها بين “هاء الخطاب” و “كاف الغائب ” و بين بقايا الأمل وحسرة اليأس !!.