عواصم- وكالات
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها أثار موجة من الاستنكار والغضب في جميع أنحاء العالم باعتباره قراراً يقوض محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويستبق التسوية النهائية كما يمثل إنحيازاً صريحاً لدولة الاحتلال وتشجيعاً لها على مواصلة انتهاكاتها للحقوق الفلسطينية المشروعة.
وكانت المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي حذرت من خطورة هذا القرار قبل وبعد إعلانه باعتباره خطوة تمثل إنحيازاً كبيراً ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس والتي كفلتها القرارات الدولية ذات الصلة وحظيت باعتراف وتأييد المجتمع الدولي كما تمثل تراجعاً كبيراً في جهود الدفع بعملية السلام وإخلالاً بالموقف الأمريكي المحايد، تاريخياً، من مسألة القدس ، الأمر الذي سيضفي مزيداً من التعقيد على النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي.
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة انطلقت أمس الجمعة مسيرات لآلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما شهدت مدينة القدس تظاهرات احتجاجاً على قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول القدس وتحدياً لها.
واعتدت الشرطة الإسرائيلية على المصلين بعد خروجهم من البلدة القديمة عند باب العامود في القدس كما انطلقت مسيرات ضخمة في غزة بعد انتهاء صلاة الجمعة واندلعت اشتباكات بين المتظاهرين والقوات الإسرائيلية في المناطق الحدودية في غزة وفي منطقة ناحال عوو شرق الشجاعية ومنطقة الفراحين شرق خان يونس وشرق البريج.
وفي الضفة الغربية اندلعت اشتباكات بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين في مناطق متفرقة. وحاولت هذه القوات قمع مسيرة خرجت وسط الخليل ومسيرات في عدة مناطق أخرى ودارت مواجهات في قصرة والخليل وكفر قدوم وغيرها.
وقام الجيش الإسرائيلي بإطلاق قنابل الغاز على المتظاهرين الفلسطينيين الذي أشعلوا إطارات السيارات لمنع الآليات العسكرية الإسرائيلية من التقدم كما ألقى المحتجون القوات الإسرائيلية بالحجارة وتم رصد عشرات الإصابات بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والمطاطي.
وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني عن إصابة 95 شخصا في الضفة بما فيها القدس، بينهم مصاب واحد بالرصاص الحي، و21 بالرصاص المطاطي، فضلا عن 72 حالة اختناق بالغاز، فيما تعرض شخص واحد للضرب.
وقد عمت المظاهرات أمس عدة مدن وعواصم عربية وعالمية، تنديدا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل.
وأعلن الأزهر الشريف، الجمعة، أنه يتابع بـ”غضب ورفض واستنكار” قرار الإدارة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، معتبرا أن الأمر تحدٍّ خطير للمواثيق الدولية ولمشاعر أكثر من مليار ونصف مليار مسلم حول العالم.
وأضاف الأزهر في بيان أن خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتحدى أيضا “مشاعر ملايين المسيحيين العرب الذين جمعتهم على مر التاريخ مساجد وكنائس القدس العتيقة مع أشقائهم من المسلمين”.
وأكد الأزهر في بيان “الرفض القاطع للقرار الباطل شرعا وقانونا، محذرا بكل قوة من خطورة الإصرار علي التمسك بهذا القرار الباطل، الذي يشعل نار الكراهية في قلوب كل المسلمين وقلوب كل محبي السلام في العالم ويشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين”.
ودعا الأزهر “قادة وحكومات دول العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة إلى التحرك السريع والجاد لوقف تنفيذ هذا القرار ووأده في مهده، متوجها إلى الشعب الفلسطيني بالتحية والتمني بأن تكون الانتفاضة الثالثة بقدر الإيمان بالقضية وحب الوطن”.
وكان المئات خرجوا إلى باحة الجامع الأزهر في القاهرة بعد صلاة الجمعة اليوم، تنديدا بقرار ترامب
وردد المتظاهرون هتافات مناهضة لقرار ترامب، ومن بينها “بالدم بالروح الأرض مش هتروح” و”بالروح بالدم نفديك يا أقصى” و”لبيك يا أقصى” و”القدس عربية مش عاصمة إسرائيلية”.
وفي العاصمة الأردنية عمّان خرجت مظاهرات رفع خلالها المتظاهرون لافتات منددة بالقرار، كما نظم نواب وقفة أمام السفارة الأمريكية للاحتجاج على قرار ترامب كما خرجت مظاهرات كبيرة في المخيمات الفلسطينية، بالعاصمة اللبنانية بيروت.
وفي دول المغرب العربي، خرت مظاهرات حاشدة لطلاب وأساتذة المعاهد في مدينة جرجيس التونسية، كما شهدت مدن عدة في المغرب مظاهرات مماثلة كما تظاهر الآلاف في ماليزيا وإندونيسيا وفي باكستان نصرة للقدس.
الولايات المتحدة هي الأخرى لم تسلم من الاحتجاجات نصرة للقدس إذ شهدت مدينة نيويورك، وقفة احتجاجية نظمها عشرات الفلسطينيين والمسلمين في منطقة مانهاتن وسط المدينة، حيث رددوا هتافات مناهضة للقرار الأمريكي، ورفعوا لافتات عليها عبارات من قبيل (الحرية للقدس والحرية لفلسطين)، و(القدس لم تكن يوما تابعة لإسرائيل).
وفي ألمانيا، شارك المئات من أبناء الجالية العربية والمسلمة في تظاهرة احتجاجية ضد قرار واشنطن وذلك أمام السفارة الأمريكية ببرلين.
وندد المشاركون، الذين جاءوا بشكل عفوي للتظاهرة ورفعوا الأعلام الفلسطينية، بقرار ترامب.
وأكد المتظاهرون الغاضبون أن القدس ستبقى مدينة عربية إسلامية، وهي العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية.
كما تظاهر آلاف الأتراك في مدن تركية مختلفة، وخرجوا بمظاهرات في الميادين العامة، ورفعوا الأعلام التركية والفلسطينية، فضلا عن ترديد هتافات منددة بالولايات المتحدة وإسرائيل.
ترمب يعد بخطة سلام جديدة:
على صعيد آخر أفاد مسؤولون بأنه عندما أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنيته الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أكد له أن هناك خطة سلام قيد الإعداد من شأنها أن ترضي الفلسطينيين.
ويستهدف ذلك فيما يبدو الحد من تداعيات قراره بشأن القدس الذي يخالف السياسة الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة حيال تلك القضية الشائكة.
واستهدف الاتصال الهاتفي الذي أجراه ترامب بعباس يوم الثلاثاء، أي قبل يوم من إعلانه المفاجئ بشأن القدس، على ما يبدو إلقاء الضوء على جهود خلف الكواليس يبذلها مستشارو البيت الأبيض لوضع خطة سلام من المتوقع طرحها في النصف الأول من 2018 لكنها صارت محل شك الآن بسبب الغضب الذي يسود الشرق الأوسط حاليا جراء إعلان ترامب.
ومع إعلان الفلسطينيين أنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة العمل كوسيط نزيه بعد انحيازها الكبير لإسرائيل بشأن أحد أوجه الخلاف الرئيسية في الصراع، قال مسؤولو الإدارة إنهم يتوقعون ”فترة تهدئة“.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن فريق ترامب، بقيادة صهره ومستشاره جاريد كوشنر، سيضغط بوضع خطة تكون أساسا لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين أملا في أن تنتهي الضجة وألا يستمر أي توقف في الاتصالات الدبلوماسية مع الفلسطينيين طويلا.
لكن وسط احتجاجات في الأراضي الفلسطينية وغموض بشأن ما إذا كان الفلسطينيون سيظلون مشاركين في جهود السلام قال مسؤول أمريكي إنه لا يزال من الممكن تعطيل العملية.
وأضاف المسؤول ”إذا كانوا لا يزالون يقولون إنهم لن يتحدثوا فلن نفعلها (نطرح الخطة) حينئذ“.
وحذر كبار حلفاء واشنطن الغربيين والعرب من أن قرار ترامب بشأن القدس قد يحكم بالفشل على محاولات تحقيق ما يصفه الرئيس الأمريكي ”بالاتفاق النهائي“ للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولم تتبلور بعد تفاصيل الإطار التفاوضي ولا توجد مؤشرات تذكر على تقدم ملموس في هذا الصدد. لكن مسؤولين قالوا إن الإطار سيتناول كل القضايا الكبرى بما في ذلك القدس والحدود والأمن ومستقبل المستوطنات على الأراضي المحتلة ومصير اللاجئين الفلسطينيين. وقال مسؤولان أمريكيان ومسؤولان فلسطينيان طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم إن ترامب سعى في اتصاله مع عباس يوم الثلاثاء إلى تخفيف أثر إعلان القدس بالتشديد على أن الفلسطينيين سيحققون مكاسب من خطة السلام التي يعكف على وضعها كوشنر والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسون جرينبلات.
وقالت المصادر إن ترامب أبلغ عباس،، بأن مخطط السلام النهائي سيعرض على الفلسطينيين تسوية مهمة سترضيهم لكنه لم يقدم تفاصيل.
وذكر مسؤول فلسطيني أن عباس رد على ترامب بالقول إن أي عملية سلام لا بد وأن تتمخض عن أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية. واحتلت إسرائيل القدس الشرقية في حرب عام 1967 وضمتها لاحقا في خطوة لم تلق اعترافا دوليا.
وقال مسؤول أمريكي كبير إن ترامب أبلغ عباس أنه يريد بحث القضايا شخصيا ووجه له الدعوة لزيارة البيت الأبيض بيد أن توقيت الزيارة لم يتضح بعد.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن كوشنر ساند قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب في آخر الأمر رغم درايته بما قد ينطوي عليه ذلك من تعقيد لمساعيه للسلام.
لكن مسؤولا بالبيت الأبيض قال إنه نظرا لأن مسعى السلام لم يفض بعد إلى مفاوضات بين الجانبين فإن فريق كوشنر يعتقد أن الغضب الذي صاحب قرار القدس سيتراجع في نهاية المطاف.
وأضاف المسؤول أن الخطة، التي وصفها بأنها شاملة وستتجاوز الأطر التي وضعتها الإدارات الأمريكية السابقة، سيكشف النقاب عنها قبل منتصف العام المقبل.
وتابع المسؤولون أن ترامب أصر على أن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل لا يعني استباق نتيجة المفاوضات المستقبلية بشأن تلك القضية أو القضايا الأخرى بين الجانبين.
وأقر المسؤولون الأمريكيون بأن تحركات ترامب بشأن القدس قد تحد من تعاون دول عربية تحاول الإدارة إشراكها في عملية السلام.
من جانب آخر أكد السفير الفلسطيني لدى موسكو عبد الحفيظ نوفل، أن السلطة الوطنية ستتوجه إلى القضاء الدولي، بشأن قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقد سجلت شعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أدنى مستوى لها منذ تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني وبلغت 32%.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه “Pew Research Center” أن 32% فقط من الأمريكيين راضون عن ترامب، في حين بلغت نسبة غير الراضين عن سلوكه 63%.
وهذا المركز المتخصص في قياس توجهات الرأي العام، أجرى استطلاعه بين 29 نوفمبر/تشرين الثاني و4 ديسمبر/كانون الأول، وشارك فيه 1500 شخص من البالغين الأمريكيين.