• كلوديا هاموند
• محاضرة في علم النفس
هل تشعر بالغضب؟ نفِّس عن غضبك كله، وسدد لكمة إلى وسادة، لكن لا تدعه داخلك، فإن الآثار المترتبة على ذلك بالغة التعقيد، كما تقول كلوديا هاموند، المحاضرة في علم النفس، ومقدمة برنامج صحي في الخدمة العالمية لبي بي سي.
كم مرة نُصحت فيها بالتنفيس عن غضبك من أجل صحتك؟ هناك فكرة رائجة وهي أن كبتك للغضب سيضر حتما بصحتك، أو على الأقل سيسبب لك قرحة في المعدة.
روابط ذات صلة
قد تقرأ بعض التقارير من وقت لآخر تُبين أن ذلك يمكن أن يضر بقلبك، وعندما تنظر إلى الأدلة التي تراكمت عبر السنين، فما الذي تكشفه عن إدارة الغضب؟
في ما يتعلق بالقرح، فسواء ثُرت في أنحاء غرفتك، أو شعرت بالغليان في صمت، لا يزال من الممكن أن تصاب بها.
وفي حين كان يُعتقد أن التوتر عامل رئيسي يساهم في الإصابة بالقرح، لا يوجد دليل قاطع على أن ذلك يتوقف على ما إذا كنت تعبر عن غضبك أم لا، إذ من المعلوم أن معظم حالات القرحة تسببها بكتيريا تعرف باسم “هيليوباكتر بيلوري”، أو تنتج عن تناول العقاقير التي تعرف باسم “العقاقير غير الستيرويدية” المضادة للالتهابات لفترة طويلة.
أما في ما يتعلق بأمراض القلب، فإن الأدلة أكثر تفاوتا. ففي دراسة أجريت في جامعة ولاية نورث كارولاينا عام 2000، أعطي 13000 مريض استبيانا تضمن أسئلة عن تقديرهم لدرجة ميولهم الذاتية المتعلقة بالغضب، واستمرت متابعتهم بعد ذلك عدة سنوات.
ورغم أن ضغط الدم لديهم كان طبيعيا على ما يبدو، كان أولئك الذين قالوا إنهم كثيرا ما يفقدون أعصابهم عند الغضب أكثر عرضة للإصابة بأزمات قلبية ثلاث مرات مقارنة بغيرهم خلال سنوات المتابعة، حتى مع الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى مثل التدخين، وداء السكري، والوزن الزائد.
وبالإضافة إلى ذلك، وجد مارك مكديرموت، من جامعة “إيست لندن” أن الأشخاص الذين عبروا عن غضبهم عانوا من الإصابة بأمراض القلب أكثر من الأشخاص الذين امتنعوا عن الصراخ للتعبير عن غضبهم.
*عبّر عن نفسك
كل هذا يبدو معقولا، خاصة أن هناك آليات فسيولوجية معروفة يمثل التعبير عن الغضب من خلالها إحدى الإشكاليات.
فعندما تفقد أعصابك يحمر وجهك، وتطبق على فكيك، ويبدأ نبض قلبك في التسارع استعدادا للشجار أو الفرار. ويبدأ الجسم في الاستعداد من خلال سحب الدهون من بعض العضلات إذا احتجت إلى مزيد من الطاقة.
وإذا لم تستخدم تلك الدهون فسوف تذهب حتما إلى مكان ما، وقد ينتهي بها المطاف إلى الالتصاق بجدران الشرايين، وقد تساهم هذه الرواسب في الإصابة بأمراض القلب.
فكل مرة يرتفع فيها ضغط الدم لديك، قد يترك ذلك ندوبا في الأنسجة بسبب الإصابات الصغيرة التي تلحق بجدار الشرايين التاجية، والتي يمكن بدورها أن تساهم في الإصابة بأمراض القلب.
ولا تشكل الندوب العرضية مشكلة، ولكن إذا تكرر الأمر يوما بعد يوم من الناحية النظرية فإن الأضرار تبدأ في التراكم.
ويستطيع القلب المعافى التعامل مع هذا الوضع، ولكن بالنسبة لشخص يعاني بالفعل من مرض الشريان التاجي فإن الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم يمكن في بعض الحالات النادرة أن يتسبب في تفكك تلك الرواسب الدهنية داخل جدران الشرايين مما يؤدي إلى انسداد تلك الشرايين.
وإذا أدى ذلك إلى منع الدم من الوصول إلى القلب، سيصاب الشخص بنوبة قلبية، أما إذا أدى إلى منع الدم من الوصول إلى الدماغ فسيصاب الشخص بسكتة دماغية.
لكن دراسات أخرى لم تظهر وجود أي علاقة بين الغضب وأمراض القلب، ولم تظهر أيضا أن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم يكونون أكثر ميلا لكبح غضبهم. والمشكلة هي أن الدراسات تقيس كلا من أمراض القلب والتعبير عن الغضب بطرق مختلفة، مما يجعل المقارنة بينها أمرا صعبا.
وفي محاولة لكشف الغموض، أجرى غيورا كينان من إسرائيل دراسة ليس فقط حول عدد المرات التي يغضب فيها الناس ولكن أيضا حول درجة غضبهم.
ووجد أنه من الناحية الصحية، فإن أفضل شيء تفعله هو أن تغضب بشدة وتفصح عن قضيتك “بوضوح وحزم”، ولكن لا تفعل ذلك إلا نادرا.
ويقول كينان إن الأشخاص الذين يفعلون ذلك من المرجح أن يكونوا نفس الأشخاص الذين يعرفون جيدا كيفية إيجاد سبل أخرى للتعامل مع المواقف الصعبة. وهذا يقلل من كم التوتر الذي يواجهونه، وذلك بدوره يؤدي إلى تحسن وظائف جهاز المناعة لديهم، و بالتالي يؤدي إلى تمتعهم بصحة أفضل.
وهناك رأي آخر يشير إلى أن الأمر بأكمله يعتمد على كيفية تعبيرك عن غضبك.
إحدى الدراسات التي أجريت في كندا اختارت بطريقة عشوائية 785من البالغين، وتابعتهم لمدة عشرة أعوام. ووجدت الدراسة أن الرجال الذين عبروا عن غضبهم بطريقة إيجابية، بهدف إنجاز أمر ما، كانوا أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب.
وفي حالة النساء، فلم يكن هناك فرق. ولكن في ما يتعلق بالرجال والنساء معا، وجدت الدراسة أن التعبير عن الغضب من خلال إلقاء اللوم على الآخرين لتبرير أفعالهم يزيد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب.
* مستعد للصياح
حتى إن كانت الدراسات غير حاسمة بشأن ما إذا كان الغضب مفيدا لنا دوما من الناحية الجسدية، فمن المؤكد أن مجرد التنفيس عن الغضب يوفر لنا قدرا من الراحة، أليس كذلك؟ ربما لا.
بعض المعالجين يعطي الناس وسائد ليسددوا إليها اللكمات، ولكن ذلك لا يشفي غليلهم دوما كما يبدو. في الواقع، فإن ذلك يمكن أن يزيد من مشاعر الغضب.
ففي واحدة من الدراسات، تلقى المتطوعون انتقادات لاذعة بشأن مقال طلب منهم أن يكتبوه. وتضمنت الانتقادات ردود فعل من قبيل “هذا أسوأ مقال قرأته في حياتي”. ثم أعطي نصف الخاضعين للدراسة فرصة للتنفيس عن غضبهم من خلال ضرب كيس الملاكمة الرياضي.
وقالوا إنهم استمتعوا بذلك، لكن عندما أعطيت لهم الفرصة لإخضاع منافس لهم لضوضاء صاخبة، ظهر أن تنفيسهم عن الغضب من خلال توجيه الضربات لكيس الملاكمة جعلتهم أكثر عدوانية في التعامل مع ذلك المنافس بدلا من تهدئتهم، وذلك مقارنة بغيرهم.
وعمل نفس الباحثين أيضا على إقناع هؤلاء الخاضعين للدراسة بأنهم قد أعطوا عقارا يجمد مزاجهم لمدة ساعة (ورغم أن ذلك لا يبدو منطقيا، إلا أنه لم يعرب أي من المشاركين عن شكه في الأمر). وبعدما استثير غضبهم، كان عدد الذين عبروا عن ذلك بضرب كيس الملاكمة أقل بكثير، مما يشير إلى أننا نفعل تلك الأشياء لاعتقادنا بأنها ستجعلنا نشعر بارتياح، رغم أن الواقع قد لا يكون كذلك.
إذا، ما الذي نستنتجه من ذلك؟ يعني هذا أن كبح غيظك لا يؤذيك كثيرا، وأن ثورة الغضب قد تكون جيدة أحيانا وأن الأمر المهم لا يعود كثيرا إلى شعورك بالغضب من عدمه، ولكنه يعود إلى كيفية التعامل معه ومدى تكرار ذلك.