أرشيف صحيفة البلاد

العمدة .. ودوره الاجتماعي

د. زامل عبدالله شعـراوي

تسجل حارات جدة القديمة صورة إنسانية رفيعة المستوى ومتوارثة عبر الأجيال وهي صورة ” العمدة ” التي خلدها التاريخ وتحديدا ً في جدة القديمة .. حيث كانت ولا زالت العمودية مرتبطة بالنبل والقيم والأخلاق والاستقامة والأمانة وحب الناس .. تلك هي مؤهلات العمدة التي يقدمها لحارته وناسها ..
هذه الصفات المحترمة والرنانة لمركز له هيبته واهميته الكبرى، لا يكاد يخلو منه حارة من حارات جدة قديماً أو حديثاً ، ولا يمكن ان تجد قسما للشرطة دون ان يكون فيه عمدة الحي الذي يتبع له، فهو الشخص الذي يعرف سكان حارته بكل تفاصيلها ومكوناتها البشرية .
وهنا نسترجع الذكريات بدورة قديماً واهميته في حارات جده التاريخية ودوره الاجتماعي
حيث كان الاهالي قديماً في الماضي يحتكمون إلى العمدة في حال وقوع الخلافات الأسرية، إذ إن دوره كان حيوياً ويخفف على المحاكم الشرعية والقطاعات الأمنية المطالبات والشكاوى التي كان الكثير منها ينتهي عند سدة منزله في الحي دون تحويلها للمحاكم بالإضافة الى المهام الإدارية للعمدة في توقيع الوثائق والمشاهد وإصدار التعاريف، وما يقع في حكمها والاحتفاظ بسجلات عن سكان الحي وحركة تنقلاتهم ، والعمدة في الماضي العين الثاقبة والأب الحاني لجميع سكان الحارة وحلقة الوصل ما بين سكان الحارة وجميع القطاعات الحكومية. حيث كان بيت العمدة في الماضي يستضيف أي ساكن في الحارة إذا واجه أي ظرف أو مشكلة أو خلاف عائلي، وكان العمدة يؤدي عمله بما يتناسب مع الأوضاع الحالية داخل الأحياء وطبيعة المشاكل الكثيرة التي قد تظهر في محيط حارته ، والعمدة هو همزه الوصل بين الاهالي وكافة شؤونهم الاهلية والرسمية .
ومن خلال حقب زمنية مختلفة في تاريخ جدة استطاع العمدة أن يجسد دوره الإنساني كأحد أفراد الأسرة الواحدة عبر حضوره في مختلف المناسبات، وتفاعله النشط مع سكان الحي ، بل أصبح على قائمة المرافقين لوالد أي شاب يتقدم لخطبة فتاة، إذ يمثل للخاطب تزكية كبيرة أمام ولي أمر العروس وهناك صور عميقة المعاني والأثر لدور العمدة في فضاءات جدة القديمة لا يتسع المقام هنا لسردها في هذه العجالة وقد اعود اليها في القادم من الأيام .
وقفه :
“جدة .. أهل الرخا والشدة” .
@zamelshaarawi