يجمع السياسيون والدبلوماسيون الفرنسيون على القول ان العلاقات الفرنسية السعودية تمر بفترة تعاون لم يسبق ان عرفت مثيلا له منذ سنوات . ويؤكد هؤلاء ان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد عمد منذ وصوله الى قصر الاليزيه في مايو 2012 الى اعادة تقويم سياسة فرنسا العربية والشرق اوسطية واتخذ خيار الرهان على المملكة العربية السعودية كشريك استراتيجي اساسي. واجواء العلاقات المتميزة والممتازة بين فرنسا والمملكة تتردد ايضا في اروقة الدبلوماسية وفي لقاءات رجال الاعمال وكبار الصناعيين واصحاب الشركات الكبرى الصناعية وهي أجواء تكرست خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي الى المملكة يرافقه عدد كبير من الوزراء واكثر من 60 مسؤولا كبيرا في الشركات الفرنسية.
تدرك فرنسا جيدا الدور الذي تحتله المملكة، خليجيا وعربيا واسلاميا وحتى دوليا من خلال مساهمتها في الاقتصاد العالمي عبر مجموعة العشرين، او الدور المتوازن الذي تمارسه في قلب منظمة الدول المصدرة للنفط. واضافة الى كل ذلك، تدرك فرنسا التي تعاني كغيرها من الدول الغنية وربما اكثر من تداعيات الازمة المالية والاقتصادية الدولية ان طريق الانتعاش الاقتصادي والخلاص من الازمة يمر عبر شركاء استراتيجيين اقتصاديين من وزن المملكة السعودية التي تمثل اكبر اقتصاد خليجي وعربي واكثر من ثلاثين مليون مستهلك بقدرات شرائية مرتفعة، وتتصدر دول مجلس التعاون الخليجي في حجم الفرص والاستثمارات الواعدة التي تختزنها ما يجعلها محط غيرة حتى من غالبية دول ما يسمى (البريكس).
ويتابع د. صالح الطيار قائلا: على المستوى السياسي يبدو واضحا ان العلاقات الفرنسية السعودية بلغت في عهد الرئيس هولاند سقفا جديدا من التوافق الاستراتيجي وانسجام المواقف والسياسات في عدد كبير من الملفات التي تجاوزت القضايا الثنائية الى مسائل اقليمية هامة، حيث تحرص فرنسا على التنسيق مع المملكة: من ايران وملفها النووي، الى الحرب في سورية وصولا الى لبنان ومرورا بالقضية الفلسطينية. ولعل خير دليل على هذا التوافق والتنسيق والحرص على تعزيز التعاون والشراكة يظهر في الزيارات المتكررة المتبادلة بين المسؤولين الفرنسيين والسعوديين من وزراء وموظفين كبار وأرباب عمل ورؤساء شركات.
فرص واعدة
ويلفت الامين العام للغرفة التجارية العربية الفرنسية الى ان الاستثمارات الفرنسية المباشرة في المملكة العربية السعودية تحتل المركز الثالث ضمن الاستثمارات الخارجية التي تجتذبها المملكة، وهي تقدر باكثر من 15 مليار دولار، وتتركز في قطاعات النفط والبتروكيمياويات والخدمات المالية. وهناك اليوم ما لا يقل عن سبعين شركة فرنسية تعمل في المملكة ، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 8,7 مليار يورو في عام 2012، مرتفعا بنسبة 13% عن 2011. وبلغت الواردات السعودية من فرنسا في العام الماضي 3,2 مليار يورو مقابل صادرات سعودية بقيمة 5,5 مليار يورو. وفي المقابل ما زال الحضور الاستثماري السعودي في فرنسا ضعيفا ويكاد يكون محصورا في العقارات. فالاستثمارات السعودية المباشرة في فرنسا تضع المملكة في المرتبة الثامنة والعشرين ، وهي تقدرهذه حسب ارقام 2010 بحوالى 600 مليون يورو تذهب أكثر من 70% منها الى العقارات (401 مليون يورو)، وفي الاسابيع الماضية تعاملت فرنسا بتقدير ملحوظ مع مبادرة شركة المناجم السعودية الاستثمار في مزارع الدجاج الشهيرة (دو) حيث استحوذت على 25%.
ويعدد مجالات استثمار سعودية تثير اهتمام الفرنسيين بقوله: تتميز السعودية بفرص واعدة واستثمارات ضخمة بفعل وفرة المشاريع فيها من بنى تحتية الى طرقات وقطارات ومرافىء ومطارات ومستشفيات ومساكن ومحطات كهرباء وتحلية مياه ومصافي تكرير جديدة ومفاعلات نووية مدنية تجعل مجالات التعاون كبيرة جدا. وتكفي الاشارة الى ان قيمة المشاريع العملاقة في المملكة تقدر بحوالى 400 مليار دولار، وان آخر توقعات صندوق النقد الدولي لنمو الاقتصاد السعودي لعام 2014 تشير الى 4,6% بعد 4 % في 2013 مع استمرار تسجيل نمو كبير في القطاع غير النفطي… وهو معدل لن تحققه غالبية الدول الصاعدة.
ونظرة سريعة الى آخر الارقام المتداولة تكفي لفهم مدى حيوية الاستثمار في المملكة والحماسة الفرنسية والدولية لدخول اسواقها: فالسعودية هي في مقدمة الدول الخليجية المرشحة لاستثمار 255 مليار دولار في بناء محطات توليد الطاقة غير التقليدية وتحديدا الشمسية. وتحتل السعودية موقعا متقدما بين دول الخليج في مشاريع المياه حيث يتوقع انفاق 300 مليار دولار بحلول 2022. وفي مجال الاسكان تملك السعودية وحدها مشاريع استثمارات باكثر من 67 مليار دولار وتخطط لبناء نصف مليون وحدة. وفي السكك الحديد تستحوذ السعودية على اكبر الفرص واكثر طاقات المشاريع في الخليج والشرق الاوسط وشمال افريقيا باستثمارات تفوق 50 مليار دولار قبل 2025، ابرزها: مشروع قطار الحرمين، ومشروع قطار الرياض، ومشروع القطار الخليجي الذي تفوق تكلفته 15 مليار دولار ويتوقع ان يتم انجاز جزئه الخاص بالسعودية في عام 2015. وبالنسبة لعام 2014 فقط يفوق حجم مشاريع المؤسسة العامة للخطوط الحديدية المليار ريال. وقد نالت مجموعة ألستوم الفرنسية مؤخرا جزءا هاما من عقد ترامواي الرياض، وكانت حصتها حوالى 6 مليارات دولار من مشروع تفوق قيمته 22 مليار دور ويعتبر من اضخم الاستثمارات العالمية في هذا المجال. ويكفي التذكير أيضا بان الرياض وحدها تحظى بمشاريع بقيمة 264 مليار ريال وان حجم الاستثمارات في المدن الاقتصادية التي تبنى لتنويع موارد التنمية يصل الى 500 مليار ريال… والسعودية هي ايضا اكبر سوق استهلاكية في دول مجلس التعاون الخليجي الذي يقدر استهلاكه للمواد الغذائية في السنوات الخمس المقبلة باكثر من 106 مليارات دولار.
وهناك ايضا التعاون الصحي الذي شهد في الآونة الاخيرة تسريعا لخطواته من خلال توقيع اول بروتوكول تعاون بين وزارتي الصحة بعد ان استضافت باريس في نوفمبراطلاق اول لقاءات صحية سعودية فرنسية وعدت خلالها وزيرة التجارة الخارجية السيدة نيكول بريك بان تكون فرنسا شريكا استراتيجيا جديدا للسعودية في المجال الصحي بحيث تتجاوز عروض التعاون الاتفاقيات الحالية مثل التعاون مع مركز باستور ومع مجموعة كارمات المتخصصة في تجارب القلب الاصطناعي المتكامل. ولا تخفي باريس رغبتها في بناء محور صحي سعودي فرنسي يشمل التكنولوجيا المتطورة ونقل المعرفة والمعلومات والتأهيل وتبادل الخبرات. وفي المجال الصحي ايضا تبدي فرنسا حرصا على عقد شراكات حقيقية مع شركات سعودية ومنها الصغيرة والمتوسطة وقد قامت اكثر من 20 شركة فرنسية بتقديم العرض الطبي الفرنسي لتعزيز التعاون مع الشركات السعودية..