تمتاز القصيدة الشعبية الحديثة بالدفق الشعوري المتناسق مع الزمن ،والذي يمكننا من استقراء المكنون العاطفي فيها لنضيف إليها كل ما يستجد من تجارب حياتية بصبغةٍ تصويرية معبرة تتواءم مع روح الشاعر ،ويرى أحمد نزار في كتابه النقد العربي الحديث أن العاطفة هي انفعالات نفسية تنشأ في الانسان ،كحالة السرور أو الحب أو الكره أو الغضب ،وهذه الحالات تؤثر في كيانه كله.
وتعتمد العاطفة على طبيعة الشاعر والذي يجب أن يشكل من احساسه نافذة تطل منها قلوب القرّاء ،لإدراك الجمال والتعبير وقوة الخيال ،وبالتالي ترك الأثر في نفس القارئ لزمنٍ طويل وليس لتأثيرٍ وقتيّ.وتتجلى العاطفة كعنصرٍ أساسي في القصيدة النبطية الحديثة ،عند العديد من الشعراء النبطيين من أجيال مختلفة .
يقول الشاعر مساعد الرشيدي :
يا صاحبي عطشان ..عطشان لك حيل
مظمي وهمّال السهر ما قويته
رد السلام لمترفات المناديل
كحل العيون ودمعك اللي نسيته
وهنا يظهر الرشيدي عاطفة الشوق والرجاء بأسلوب انسيابي يرتكز على التصوير المشهدي وإنطاق الجمادات (التشخيص) بروحٍ عصرية ،وهذا ما يميز تجربة الجيل الذي ينتمي له الرشيدي من حيث قوة العاطفة ومواءمة الدلالات والعبارات لها.
ويقول الحميدي الثقفي :
آه يا قربك ويا بعد المسافة
اقرب من القرب لكنك بعيد
انت عمرٍ صب في عمري جفافه
نصف نار ونصفه الثاني جليد
تتصاعد العاطفة في قصيدة الثقفي تصاعداً سلساً ،لا يحتاج للكثير من الإيحاءات للولوج إلى داخل المتلقي ،بل تذهب به القصيدة من بيتها الأول إلى عالم الحس والعقل في آنٍ معاً،ونلاحظ كيف استطاع أن يجسد عاطفة العتب والحيرة والشوق بغلافٍ من التصوير ، والذي يبرع فيه أبناء المدرسة التجديدية في الشعر النبطي.
وما تزال القصيدة الشعبية الحديثة في حالةٍ تجديدية ،مفعمة بعناصر الدهشة والتصوير ،تتخذ فيها العاطفة أشكالاً متنوعة ،تحث القارئ على استدعاء الخيال والإحساس لإدراك ماهيتها.