أرشيف صحيفة البلاد

الطيبة ما توكلش عيش

الطيبة ما توكلش عيش
قبل بضعة أشهر وأثناء أعمال إنشاء بيتي الجديد رن هاتفي فرددت على الاتصال وبالكاد أنتهي من المكالمة حتى فاجأني أحد العاملين بطلبه ملوحاً لي بهاتفه القديم “ما تجيب جوال جديد أحسن من الجوال البايز ده” ..هكذا قالها لي مستغلاً صداقة أبرمتها معه لم تتجاوز الساعتين فقط ..!
لو تأملنا كافة العلاقات الإنسانية لوجدنا فيها هامشاً كبيراً من البراغماتية النفعية حتى على مستوى الصداقات والزيجات ,
فشخص لا يشاركني همومي وأحزاني ولا يفرح لأفراحي ولا أستفيد منه في أي شيء من الصعب مصادقته والعكس صحيح أيضاً , ولكن عندما نرى عينات من البشر يأخذون ولا يعطون ولا يهتمون إلا بمصالحهم فقط ومتى ما انتهت تلك المصلحة رمونا في سلة المحذوفات حينها يصبحون أنانيين إلى درجة التنكر لمن وقف معهم ومد لهم يد المساعدة في يوم من الأيام ,
فعندما يستغل القوي الضعيف والمدير موظفيه والرجل جمال المرأة وأنوثتها وطيبة قلبها وأحياناً ضعفها وتستغل المرأة قلب الرجل وجيبه واهتمامه وإخلاصه لها حينها تصبح كل العلاقات مبنية على المصالح ولا شيء غير المصلحة .
إن الحياة أخذ وعطاء ولا عزاء لأصحاب القلوب السوداء ولا مكان فيها لضعفاء النفوس فنحن نعمل كل ما يريدون ونلبي لهم كل ما يحبون وأحياناً لا نرغب بذلك ولكن تجبرنا علاقاتنا معهم تحت مظلة الصداقة أو المحبة أو العشرة …الخ .
“حرِّص ولا تخوِّن” لا شك أن طبية القلب وصفاءه سمة كريمة يمتلكها الإنسان ولكن الطيبة وحدها لا تكفي و”ما توكلش عيش” إذا لم تكن مصحوبة بالحيطة والحذر لأن البشر ليسوا سواسية فالطيبة الزائدة التي تصل إلى درجة السذاجة بأن تعطي أحدهم الثقة العمياء والمطلقة وتنسى أنه بشر معرض للخطأ قد تتخطفه أهواؤه فأنت حينها تعطيه فرصة كبيرة وتفسح المجال له ليستغلك من حيث لا تحتسب فالمال السايب يعلم السرقة .
من المؤكد أن الإنسان هو ابن بيئته وهي التي تصنع شخصيته فالاستغلال يكتسبه الشخص من محيطه ومن ظروفه المعيشية
وبالتالي فإن المواجهة مع تلك العينات ليست دائماً هي الحل فأحياناً تغابيك وصمتك يقتلهم لأنك تضعهم في حيرة وشك يقضُّ مضاجعهم فهم لا يعرفون حينها إن كنت تعلم أو لا تعلم بما يكيدونه لك من استغلال ,
فقط اصمت عنهم وابدِ لهم انشغالك بمن يستحق الاهتمام أكثر وبمن له واجب عليك تجاهه ‎وبمن يقدّر وجودك بجانبه , هذه النار كفيلة بأن تحرقهم من دون لهب ولكنك سترى أثر الدخان على وجوههم وكما يُقال “ليس الغبي بسيدٍ في قومه … ولكن سيد قومه المتغابي”
فأحياناً مواجهتك للاستغلالي تجعله يتنمر أكثر وسيهاجمك دون تردد وحتماً سيدافع عن استغلاله لك بحسن النوايا والعفوية في تعاملاته معك وفي نفس الوقت سيلاحقك بلومه وعتابه ما حييت فلا تنتظر منه أن يبدي اعترافه أو أسفه لك على الإطلاق لأنك أنت المغفل الذي لم تحسن التصرف معه فقوانين التعامل معه لا تحمي المغفلين .
يجب علينا أن نكون أكثر حرصاً وذكاءً في تعاملاتنا مع هؤلاء الاستغلاليين حتى نثبت لهم أننا تعلمنا من الدرس بسرعة حتى لو اضطررنا لمواجهتهم فقد نخسرهم أحياناً ولكن هذا لا يهم فوجودهم في حياتنا يجعلنا نخسر الكثير من كرامتنا .
منصور عبدالله الزهراني