قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله عز وجل كتَب الإحسانَ على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتْلة، وإذا ذبَحْتم فأحسِنوا الذِّبْحة، وليحدَّ أحدكم شفرتَه، وليرِحْ ذبيحتَه)).
لن أتناول معكم شرحَ الحديث فهو واضح ومعلوم للجميع، لكني سأحاول اتِّخاذه مدخلًا لحلِّ العديد من المشاكل التي تؤرِّق حياتنا على مختلف أعمارنا وأيًّا كانت أعمالنا.
فبدون إحسان لن نشعر بلذَّة ما نؤدِّيه، ولن يكون على مراد الله سبحانه، وبالتالي النتائج كذلك ستكون ليست على مرادك.
حل معظم مشاكلنا يبدأ من الوقوف مع أنفسنا، وكل عمل تؤدِّيه اسأل نفسك بعده: (هل أدَّيتَه بإحسان؟ وما التقصير إن وجد؟ وكيف أجبره؟ وبمن أستعين؟).
واللهِ سترى الحياةَ مختلفة، وستحب عملك أيًّا كان.
• أبدأُ من الطالب؛ فالمادَّة التي يحسِن دراستها تكون هي المحبَّبةَ إليه، ولا تستجلب له معصية الغشِّ مثلًا؛ بل يُرزق بسبب إحسانه حب معلِّمه.
• أنتِ أيَّتها الأم، جرِّبي مرَّة أن تحسني تَقديم الطعام – فقط طريقة التقديم – وانظري ما سيَحدث لنفسيَّة الأولاد والزوج، وما ستحصدينه من سعادة بكلماتهم وباستمتاعهم بطعامك، ناهيك يا حبيبة عن إحسان طَهْيِه ومذاقه.
• أخي الزوج، هل قيَّمتَ يومك؟ كم تعطي نفسك نِسبة لو أحببتَ أن تقيس مدى إحسانك لهذا اليوم؟
كن صريحًا مع نفسك وطوِّرها، طوِّرها كعامل في وظيفة ما، كأخٍ، كزوج، كابنٍ لك والدان يتمنَّيان رؤيتك والاستماع إليك ولو لحظات.
• كل طائفة تقيِّم نفسَها، وتبدأ في التزام الإحسان كمنهج حياة، كن مخلِص النيَّة في ذلك لله، وراجيًا فضله، وراقب نفسك بعد ذلك، وقارِن حياتك قبل الإحسان وبعده، وترقَّب فضل ربِّك صادقًا في اتباع أمره.
• نأتي لنموذج حيٍّ أذهلني في الحقيقة؛ وهو في الإحسان، لكن على مستوى الدول لا الأشخاص…
الدول العربيَّة التي أمرت بالإحسان ولم تحسِن، ودولة واحدة غربية عرفت فضلَ الإحسان فلزمَتْه، تابع معي يا رعاك الله هذه النِّسَب.
• سويسرا: صرح اقتصادي ضَخم، والجميع يعلم ما هي عليه من قوة اقتصادية.
في سويسرا لا توجد موارد مثل عالمنا العربي؛ أي: إنَّها ليس لديها ثروات طبيعية (نفط أو ذهب أو معادن…)، ولا تملك إلَّا الموارد البشرية فقط.
ورغم قلَّة الموارد ما نهضت سويسرا إلا بالإحسان!
• سويسرا بها 600 مصنع للجبن فقط، كل مصنع يوظف سنويًّا آلاف الشباب، والجودة هي الأولى عالميًّا.
• صناعة الساعات تُدخل ربحًا سنويًّا لسويسرا مليار دولار.. (ألف مليون) من الساعات فقط…
علاج الفساد سيدوم طويلًا! هل نحفر حفرتنا وننتظر الموت؟
ابدأ أيها المسلم، ابحث عمَّا تحسنه وتميَّز فيه، حدِّد لك ميزة تعلمها عن نفسك، أو يدلُّك الآخرون عليها.
أنت أيتها المسلمة: ماذا تجيدين؟
ابدئي، تعرَّفي على نفسك، ابتكري شيئًا تجيدينه، وتعلِّمي إحسانه، ولا مانع من بداية مشروع صغير في أيِّ شيء تحسنينه حتى لو الطهو!
لا تستغربي، اختاري نوع طعامٍ تحسنين إعداده، وأعدِّي، وأعلني، وأحسني، واصبري، وواللهِ – الذي فرض علينا السبب مع التوكُّل – لن يخذلك الله.
ولنصبِر؛ فالطريق ليس محفوفًا بالورود؛ بل الأشواك، حتى يتعلَّم الإنسان ويتمكَّن من السبب، فيغدق عليه الله نِعَمه وهو الكريم جل في علاه.
تذكَّروا دومًا:
• (الصَّبر وقود الإحسان والإتقان).
معكم نلتقي على خير دومًا على أرض دنيانا وتحت مظلَّة ديننا.
أ. منى مصطفى