ابها-مرعي عسيري
أقام نادي أبها الأدبي محاضرة للدكتور عبد الرحمن بن رجا الله السلمي بعنوان (النص القرآني في منظور النص الأدبي الحديث.. قراءة في الأثر والمألات) قدم للمحاضرة الأستاذ عبد الله هتان, حيث رحب بالضيف والحضور, وقال لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون هذا القرآن معجزة نبيه صلى الله عليه وسلم, معجزة تحدى بها أمة من البلغاء والفصحاء, فعجزوا أن يأتوا بآية مثله, أو بحرف من مثله في موضعه, فكان ذلك قمة التحدي, وقد ارتبط النص القرآني منذ الزمن الأول بقضية الاعجاز بكل أنواعه “بلاغية, علمية جمالية, أدبية” ولعل تناول هذه القضية أو مسألة النص القرآني المقدس, ومقارنته بغيره من النصوص البشرية التي تخضع للدرس الأدبي؛ هو محور النقاش أو المسألة التي تتعلق بجمالية النص القرآني وأدبيته, ثم قرأ سيرة الضيف الذاتية ودعاه إلى الحديث حول موضوع محاضرته..
وقد بدأ السلمي محاضرته بالتأكيد على أن مداخلات الحضور وإضافاتهم؛ ستزيد ورقته منهجاً وألقاً وفائدة, وأشار إلى أن اختياره لعنوان (النص القرآني في منظور النص الأدبي الحديث.. قراءة في الأثر والمألات), بسبب أنه من الموضوعات التي طرأت في العصر الحديث تحت عدة مفاهيم, ومنها القراءة الأدبية للنص القرآني, ومحاولة دراسة النص القرآني دراسة لها سماتها وخصائصها, وقال إنه لا شك في أن القرآن الكريم معجز في أسلوبه, ومعجز في فصاحته, وفي بيانه وطرائق تعبيره وتصويره, وقال بأن نزول القرآن الكريم باللغة العربية اقتضى ألا تُدرك حقيقته, ولا تسبر أغواره إلا من خلال هذه اللغة, ولذلك اهتم العلماء قديماً بجماليات النص, وجماليات الشاهد القرآني, وأوضح أنه سيتحدث عن التفسير الأدبي للنص القرآني, وبين أن هذه الفكرة ظهرت في منتصف القرن الماضي على يد أمين الخولي, حيث قام بوضع نظرية التفسير الأدبي للنص القرآني, وقال بأن أمين الخولي المتوفى سنة 1385هـ – 1965م قرر في مناهج التجديد أنه لا يمكن أن نصل إلى مراد القرآن الكريم إلا حين الدراسة الأدبية لكتاب العربية الأوحد, مؤكداً بأن تلك الدراسة ينبغي أن تكون أدبية صِرفةً, ومضيفاً أن الخولي قرر في نصوص كثيرة, أنه لا يمكن أبداً أن نفهم المراد من التفسير إلا من خلال الدراسة الأدبية للنص القرآني, وقد وضع بعد ذلك المنهج الذي ارتأه في دراسة النص القرآني, وموضحاً أن منهج الخولي في دراسة النص القرآني يقوم وفق اتجاهين, الأول دراسة ما حول النص القرآني كما يُدرس ما حول النص الأدبي, والثاني دراسة النص القرآني في ذاته كما يدرس النص الأدبي في ذاته, وقال بأن الخولي يرى في أكثر من موضوع أن دلالة النص القرآني تنكشف من خلال بنائه اللغوي, ثم من خلال العودة إلى سياقه الانتاجي ثانياً, وأن اهدار أحد الجانبين يعوق المفسر أن يفهم المراد من النص القرآني, وأشار إلى أن الذين جاءوا بعد الخولي, سواء تلامذته المقربين أو من الذين اختلفوا معه في التناول, يرون أن دراسة النص القرآني -بوصفه نصاً أدبياً- ليست إلا استجابة لدعوة الشيخ أمين الخولي, وعلى ذلك جاء نصر حامد أبو زيد في كتابه “مفهوم النص”, وبين تلقف تلامذته لهذه الفكرة ومن ضمنهم, محمد أحمد خلف الله وشكري محمد عياد وأحمد بدوي, وعائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء) وهي زوجة الخولي وأحد تلامذته الذين أوفوا له بنشر هذه النظرية, وهؤلاء التلاميذ يتفاوتون فيما بينهم, فمنهم من كانت دراسته أقرب إلى المنهجية, ومنهم من كانت دراسته مختلفة اختلافاً كبيراً, وقال بأننا نتفق مع مشروعية دراسة النص القرآني دراسة أدبية, وبخاصة إذا كانت هذه الدراسة تهدف إلى إبراز أسلوب القرآن الكريم, وطرائقه في الأداء والتعبير والجمال, وقال إن مكمن الخلاف يبرز عندما ننظر إلى المآلات التي تؤول إليها دعوة الشيخ الخولي, لأنها توجِد اشكاليات كبيرة في تطبيق هذه النظرية على النص القرآني, موضحاً أن مشكلة المنهج دائماً تظهر في التطبيق, لأن النظرية الأدبية الواحدة تسفر عن طرائق أدبية مختلفة, ومناهج متعددة ومتطورة “اجتماعية ونفسية وتاريخية وفنية وبنيوية وتفكيكية”, وتساءل حول أي هذه المناهج الأدبية يمكن استخدامه في قراءة النص القرآني, وعن الأدوات والاجراءات التي يتم تحليله من خلالها, موضحاً أنه قد يكون لكل مُحللٍ منطلقاته وفلسفته الخاصة, والتي تجعله يُخضع المقروء عموماً إلى رأيه ومعرفته, مؤكداً أن هذه الاشكالية قائمة في دراسة أي نص أدبي, فكيف إذا كان هذا النص هو نص إلاهي مقدس, له حضرته وله خصوصيته وسماته, وعن المآلات التي آلت إليها دعوة أمين الخولي من دراسته, أوضح بأنها كثيرة, وعند النظر إليها يتضح ان هذه الفكرة في بدايتها كانت نابعة من حُسن نيّة, ولكن تلقفها أناس واستطاعوا أن يوظفوها توظيفاً يخدم أهواءهم, وأول تلك المآلات هو نزع القداسة عن النص القرآني الكريم, وبين أن فكرة دعوة الخولي تدعو إلى ضرورة مساواة القرآن الكريم والمأثورات التراثية الأخرى, وقال بان الخولي أكد في “دائرة المعارف” على ضرورة أن يقرأ هذا الكتاب ويدرس درساً أدبياً, كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة, وبذلك آلت دعوة الخولي إلى ضرورة دراسة القرآن بوصفه نصاً أدبياً, وفضاءً لغوياً بعيداً عن أي اعتبارات أخرى, ومثل لذلك بكونه تنزيلاً ووحياً جاء لهداية البشرية, واستشهد من كلام الخولي بقوله “وتلك الدراسة الأدبية لأثرٍ عظيم كهذا القرآن, هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولاً, وفاءً لهذا الكتاب, ولو لم يقصدوا الاهتداء به, أو الانتفاع بما حوى وشمل, ولو لم تنطوي صدورهم على عقيدة ما فيه, أو انطوت على نقيض ما يعتقدون”, وخلص إلى أن الخولي يدعو إلى أن يدرس هذا النص دراسة أدبية صِرفة, وأشار إلى أن الخولي يقول في موضع آخر “إن الغاية من دراسة النص القرآني هي إبراز الجانب الأدبي المجرد, والتأمل اللفظي, بعيداً عن كونه عقيدة وشريعة جاءت لإصلاح البشرية وتنظيم حياتهم”, وأورد عدة مقولات للخولي حول ذلك, وخلص إلى أن الدعوة إلى التحرر من كل المعارف, عند دراسة أي موضوع من الموضوعات أياً كان, نصاً إلاهياً أو نصاً بشرياً, والتعامل معه من خلال معطيات حاضرة بعد اخلاء الذهن تماماً؛ على هذه الخلفية إنما هي أثر بني على معارف استشراقية ومناهج غربية, تلقفها معاصرون لأمين الخولي ونشروها كثيراً, وأكد أن أمين الخولي وتلميذه محمد خلف الله, ذهبا إلى أكثر من ذلك, فهما يقولان” إنه لا فرق بين النص القرآني والنص البشري”, وبالتالي أنزلا كل النظريات التي يقاس بها النص البشري على النص القرآني, بحجة أنه نص مكتوب بالعربية, وأنه أصبح إنساني العبارة, بشري الأسلوب..
وانتقد محمد خلف فيما وصفه بالجرأة الشديدة في كتابه “فن القصص القرآني”, والتي أصلها رسالة علمية, وقال إنه ذهب في هذه الدراسة على اعتبار أن النص القرآني عمل فني خالص, خاضع لما يخضع له الفن من إبداع وابتكار, من غير التزام بصدق التاريخ والواقع, واستنتج أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى, هو فنان كان يمارس الفن من خلال القصّ, مؤكداً بأن الرسالة كلها بنيت من أولها إلى آخرها على هذا المنهج, وبالتالي فالقصة عموماً تتجه كما يتجه الأديب في تصوير الحادثة تصويراً فنياً, مشيراً إلى أن محمد خلف الله من أكثر التلاميذ الذين نهضوا بهذه الفكرة..
وقال السلمي بأنها ظهرت بعد ذلك دعوات لإحياء منهج الخولي وتطويره, والدفع به ليكون داخلاً في صميم الدرس الأدبي, وأكد من خلال حديثه على ظهور دراسات كثيرة جداً تنادي بضرورة مساواة النص القرآني بالنصوص الأدبية, مبيناً أن الفكرة استقرت بعد ذلك, بحيث أصبحوا يتعاملون مع النص القرآني على أنه نص أدبي, ثم وصلوا لمرحلة أخرى تفيد بأنه نص أدبي, فإن القول بقداسته تعكر كون هذا النص منزلاً من الإله, وإنما هو منتج ثقافي, وأن القداسة له تعوق فهمه العلمي..
وقال السلمي بأن الخطاب العلماني تناول هذه القضية, وأخذ يُلح عليها إلحاحاً شديداً, مشيراً إلى أنه أخذ يكرر ضرورة نقد القرآن الكريم, واخضاعه للتحليل والتأويل, وأن هذا النقد ضروري لكي يحافظ الإنسان المسلم على تماسكه المنهجي العقلي, وأوضح أنهم يقولون “إن الحضارة الغربية لم تتطور إلا بعد أن أخضع الأوربيون نصوصهم المقدسة للنقد”, واستنتج من ذلك ظهور محمد أركون في أكثر من كتاب له, يرى ويفاخر بأن عمله يقوم على اخضاع القرآن لمحك النقد التاريخي, ويرى أن الخطاب القرآني إنما هو نص أدبي, ذو بنية أسطورية, وأصبح في كثير من كتبه يتحدث عن الأسطورة والتحليل الأسطوري, التي أصبحت جزء من المناهج النقدية الأدبية, ومثل لذلك بانه يستخدم باستخدامه مصطلحات اغريقية في أصلها وتعني الخرافة الأسطورية, في محاولة من أركون أن ينزل ذلك على القرآن الكريم..
وقال السلمي بأن المأل الثاني من المألات التي يتحدث حولها, هو التأكيد على عروبية النص القرآني, واغفال عالميته, وأورد عدداً من المقولات حول ذلك, مؤكداً تخطُف الخطاب العلماني لذلك المفهوم والنفخ فيه كثيراً, لأنه يريد التأكيد على اختصاص القرآن الكريم بالعرب فقط, ونفي عالميته, وأورد بعض الردود على مفهوم عروبية النص القرآني واغفال عالميته, وأكد مخاطبة القرآن للعرب من ناحية, والمشترك الإنساني من ناحية أخرى..
وأضاف السلمي أن من تلك المألات اختزال فهم النص القرآني في التفسير الأدبي, متهماً الخولي بأنه يخلط بين التفسير وبين الدرس الأدبي منهجياً, مورداً بعضاً من مقولاته في هذا الجانب, وقال بأن كثيراً ممن نظّروا لإسلامية الأدب؛ يرون كثيراً من التفاسير لا تفي بروح العصر, وإنما التفسير الأدبي الصِرف هو الذي يفي بروح العصر, وذكر بعض الأمثلة على ذلك, معتبراً أن فهم النص القرآني في نوع واحد من أنواع التفاسير يمثل مأزقاً كبيراً, ووصفها بأنها رؤية اختزالية ضيقة, ناتجة عن خطأ منهجي يكمن في الخلط بين التفسير وبين الدراسة الأدبية, مفيداً أن التفسير هو توضيح المعاني المرادة من النص, وله قواعده وأصوله, وله علماؤه ومدارسه ومناهجه, وأما الدراسة الأدبية فهي تتناول هذا النص القرآني من خلال الأدوات التعبيرية والتصويرية, الإيقاعية وغيرها..
وأضاف السلمي أن من تلك المألات اسقاط المصطلحات النقدية على النص القرآني, موضحاً أن الخولي كان يؤكد تأكيداً قوياً ودقيقاً على وجوب قراءة هذا الكتاب الجليل, ودراسته أدبياً, كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة, ويرى أنه لا بُد أن تعتمد المناهج الأدبية الحديثة, والنظريات النقدية المعاصرة, وأن يخضع لها النص القرآني, ويعتبر أن اخضاع النص القرآني لهذه المناهج الحديثة احتراماً له ووفاءً بحقه العظيم, ذاكراً آراء الخولي حول هذا الجانب, معتبراً أن نصر حامد أبو زيد في كتابه “مفهوم النص.. دراسة في علوم القرآن الكريم” تلقفت هذه المفاهيم, ويصف نصر حامد أبو زيد بالتطاول حين يقول:” إن القرآن عمل أدبي أصيل ليس تقليداً ولا بُد أن يخضع لمطرقة النقد”, ويعرض السلمي مزيداً من مقولات أبو زيد حول هذا المفهوم, موضحاً أن الخطاب العلماني الذي تلقف دعوة دراسة القرآن الكريم دراسة أدبية, لا يفرق بين النص الإلهي وبين النص البشري, وهما عنده متساويان من حيث قوانين التكوين, ومن حيث البناء وانفتاح الدلالة, وبالتالي فهو منتج ثقافي محكوم بالقوانين الداخلية البنيوية والدلالية الثقافية, ثم ذكر أن المحصلة النهائية للخطاب العلماني عندما ينظر إلى القرآن الكريم, ويدرسه دراسة نصية أدبية؛ أنه منتج أدبي مفارق لمصدره الإلهي, شأنه شأن النصوص الأدبية الأخرى, خاضع للمناهج الحديثة في قراءته وتحليلاته, معتبراً أن الهدف الوحيد من هذه الدراسة, هو نزع القداسة من النص القرآني, وتحويله من نص مقدس له خصوصيته, إلى نص قابل للتأويل والنقد, ومن ثم نزع ثبوت الدلالة عن النص نهائياً, وتحويله إلى نص مفتوح متغير الدلالة حسب الظروف التاريخية, وبالتالي يمكن لكل إنسان قراءة هذا النص المفتوح..
ثم وضح أن ما سبق هو الخلاصة من المألات التي آلت إليها دعوة أمين الخولي, بعد ذلك أشار إلى القراءة الاسقاطية للنص القرآني عند منظري إسلامية الأدب, معتبراً أن كثيراً ممن بحثوا في إسلامية الأدب, وتحدثوا عن الأدب الإسلامي, لديهم اسقاطات عجيبة على النص القرآني, واصفاً إياهم بأنهم وقعوا من حيث يشعرن, أو من حيث لا يشعرون في أخطاء كثيرة منهجية, لم يراعوا من خلالها خصوصية هذا الخطاب الرباني الإلهي, موضحاً أن النص القرآني يفتح المجال أمام التأمل وإعمال الفكر ويدعو إلى الاجتهاد, ولم يخفي تحفظه على مصطلح النص القرآني كمصطلح, مشيراً إلى أن المحظور الذي وقع فيه منظري الأدب الإسلامي, هو وضع النص القرآني في دائرة النصوص الأدبية, معتبراً أن الأمر انتهى بهم إلى تجاوزات خطيرة, وأكد على أن الأدبيات الآن تفرق بين النص الديني والتراث الديني, وقال بان القرآن الكريم ولغة النبوة لا تعتبر تراثاً, لأننا لو اعتبرناها تراثاً فهذا يعني أننا سندرسها كما ندرس التراث عموماً, مفيداً بأن كثيراً من الدراسات التي تسقط الأدب الإسلامي على النص القرآني, بدأت تقرأ النص القرآني قراءة ادبية وقراءة اسقاطية, تأتي بتصورات جائزة ثم تسقطها على النص القرآني, ونتج عن ذلك ظهور الكثير من النظريات والمناهج, مثل مفاهيم علم النص الاسلوبية والمنهج التاريخي البنيوي وغير ذلك, ومثل لذلك بتوظيفات “حسن با جودة” وهو أحد منظري إسلامية الأدب, واعتبر مقدمات أحمد بدوي في كتابه “من بلاغة القرآن” لا بُد أن تُراجع, وأوضح أنه يرى في تلك المقدمات أن المنهج الأدبي في دراسة النص القرآني يجب أن يمرّ بثلاثة أنواع من القراءات, قراءة متذوقة, وقراءة ناقدة, وقراءة حاكمة, موضحاً أنه تطبيق القراءة الحاكمة على النص القرآني, وقال بأن منظري الأدب الإسلامي, أسرفوا اسرافاً كبيراً في اسقاط كثير من النظريات الحديثة, التي نشأت في الغرب على النص القرآني, وحملوا النص القرآني ما لا يحتمل من هذه النظريات..