أرشيف صحيفة البلاد

الزواج بالإنترنت.. موضة العصر

الزواج نصف الدين، عفّة وسكن، ومودة ورحمة، مشروع أراده الله – عز وجل – لربط الوثاق بين نفوس تعارفت ثم أعجبت بضرورة هذا الرباط السمح، مصداقًا لقوله – تعالى -: ? وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ? [الروم: 21].
بالأمس كانت الخِطْبة تتم بعد التعرُّف على فتاة المستقبل بأن يطلب الخاطب يدَها من وليِّ أمرها لعقد النكاح، فإن كان القَبول من ولي الأمر والرضا من البنت تَمَّ العقد وَفْق شروطه الصحيحة؛ وهي: رضا الولي، تقديم المهر أو الصداق، حضور شاهدين؛ ليتم بعد ذلك الإشهار أو الإعلان عن الزواج.
لكن عصر السرعة الحالي والثورة المعلوماتية فرضت نفسها بشكل – أكاد أقول – حتمي على فكر الشباب، ولو أن عقد الزواج عقد مقدَّس له أسسه المتينة وتقاليده المستمدة من الشريعة الإسلامية، وكذا العرف الذي يحمي هذا العقد برداء الاحتشام والحياء، لكن تغلغل العولمة الفكرية بتكنولوجيا متطورة مسَّت مشروع الزواج بعولمة حالمة أكثر منها واقعية، فالتركيز يبدأ بفكرة التقدم لخطبة الفتاة، والتي كانت في الماضي يحسب لها ألف حساب خوفًا من الرفض، فكان يشوبُها التردد على أساس أنها أصعب مراحل الزواج، والآن التكنولوجيا وفَّرت عناء التردد بسهولة منقطعة النظير، فيكفي الشات وتبادل الكلام ليصبح العقد تامًّا في شكله بأزرار جهاز الحاسوب إلى أن يتم الحفل الختامي لإعلان تمام العقد في مضمونه، ترى هل السرعة في خدمة قدسية الزواج؟ وهل هذا التسهيل يؤجِّج عفة العاطفة الموسومة بصدق المشاعر ونبل الخلق في إكمال نصف الدين؟!
وهل فعلاً الحقائق تقال كلُّها عن طريق الإنترنت ليكتفي كلا الطرفين بالتعارف فيما بينهما حول سيرة كل منهما؟
هناك من الآراء المستقاة من الوسط الاجتماعي ما لا تجد أي إشكال في عقد الزواج بالإنترنت، وتقر بنجاح المشروع، وهناك مَن يقر بتخوفه من الوسيلة، على أساس أنها غير مضمونة، وأنها تتم من وراء شاشة الحاسوب التي تلمِّع كثيرًا من الحكايا من خلال تبادل الأفكار والنوايا بين الطرفين.
فلو ربطنا نسبة العنف الأُسرِي وتزايد الآفات الاجتماعية، حتمًا ستكون سببًا مباشرًا في اللجوء إلى الإنترنت بحثًا عن متنفَّس لمكنونات عاطفية لدى الشباب، في محاولةٍ لإيجاد مَن يفهمه ويفهم ميولاته، وبالتالي تتولد فكرة ربط علاقة عن طريق الإنترنت رغبة في إنهاء هذه العلاقة بالزواج، وهنا يبدو فيه مخالفة، بل إقصاء للعادات والتقاليد الأُسرية، فالقاعدة الأساسية تبدأ من ذاك الاحتواء الأُسري والأمان العاطفي، والذي يعتبر الوالدان مسؤولينِ بالدرجة الأولى عن توفيرِه حتى لا يبحث الشابُّ عمَّن يحضن عاطفته الجياشة خارج البيت، ثم غلاء المهور وتكاليف الزواج تجعل الشاب يسلك مسلكًا سهلاً توفِّره الشبكة العنكبوتية.بالإضافة إلى غياب المتابعة والصداقة بين الأبوين والأبناء في حسن التوجيه والتزام بنود الشريعة الإسلامية في عقد مشروع الزواج، فغياب الحوار في العائلة وغياب التفهم يجعل الأبناء في رحلة حالمة مع الإنترنت دونما رقابة أو توجيه.
إذًا تلك الفجوة بين الوالدين والأبناء تكبَر كلما كَبِر الأبناء في السن حتى يصبح الأبناء في استقلالية تامَّة عن الوالدين، والاستقلالية هنا هي استقلالية الفكر والقرار، فبالأمس كان القرار الجماعي للعائلة أساسًا للنجاح، أما الآن، فالأنانية المفرطة وغزو العولمة بزخارف التطور الخيالي يجعل أساس النجاح هشًّا؛ لأنه لم يبنَ على أسسٍ متينة من الحوار وتبادل الثقة فيما بين أطراف الأسرة.ولربما التوافد الكبير على مقاهي الإنترنت خيرُ دليل على الانسياق وراء وُعودِ أحلام اليقظة، فذاك التوافد والإقبال لم يكن لبحث علمي آو متابعة آخر التكنولوجيا المتطورة؛ إنما كان لأجل تَمْتين صداقات يعلم الله إلى أي مدى من الغوص ستصل إليه.
والأصعب من ذلك، تلك المشاريع الحالمة التي تبنَى من الطرفينِ بواسطة الإنترنت كوعود السفر إلى الخارج وبداية بناء مستقبل عائلي، لكن الواقع يجعلهم يصطدمون بحقائق لم تظهرها لهم أجهزة الحواسب ولا أحلام اليقظة.ليبقَ الزواج بالإنترنت موضة العصر، ولكن النتائج تثبت أنه لا يوجد أحسن مما يتم وَفْق التقاليد الإسلامية من تدرُّج وشرعية في إتمام المشروع وَفْق كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم.
أ. سميرة بيطام