الأرشيف الثقافيـة

الدياب وبسطاء الحال؟؟!

سامي حسون

هذا الغيم العالق في السماء لن يُمطر قبل أن أقولها.. أشعر أني..
أرغب في ذلك جداً.. هي كلمة عالقة في فمي منذ أن غادرنا ذلك المساء … تاركا كرسي رئيس التحرير بمجلة اقرأ إلى كرسي أخر في أعلامنا المقروء ،وعندما رحل العمدة محمد صادق دياب ، ازداد قولي في أن أبوح بكل صراحة،. وأنا طوال كل ذلك الوقت أرغب في قولها.. كلما هممت بذلك أشعر أنها عالقة في فمي، وكأنها مربوطة بحجر ثقيل إلى جوفي.. أقصد ذلك الدياب الذي يبدد أيامه بصدر رحب وأكتاف عريضة وصوت أجش، يوزع ابتسامته وأشواقه على البسطاء، ولا يتوانى عن عناق عجوز ..كان بالأمس جارا لأبية وإن لمح على وجهه بقايا ابتسامة لشاب عابر، أو خفق قلبه لامرأة ضاعت لقمة العيش بفقدان زوجها ..لكي ينحني لها عند باب البيت، ويعطيها ما تجود به نفسه في سد الجوع.
نعم لقد تكرر المشهد إمامي عدة مرات قبل وفاته وبعد رحيله وأناء ارقب المعزيين في مقبرة حواء وهم يشاركون الأصدقاء في حمل نعش جثمانه إلى مثواه الأخير.. وتكرر أيضاء وجودهم مع الحضور في مكان العزاء ..
طوبى للبسطاء قلباً وقالباً, أولئك السائرون على نهج الكفاف , تراهم في أعلى قمم السعادة لأنهم يستشعرون رضا الله عنهم والناس . والدياب من أولئك الناس الذين حباهم الله متعة صفاء الإنسانية ..هذه ما ولج به لساني وقت دخولي إلى قاعة الشربتلي بنادي جدة الأدبي وأنا أشاهدهم مجدداً في الاحتفاء بالدياب الذي كان يقضي أوقاته في مؤانستهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم..يشارك الهم وأنفاسهم المختلطة برطوبة جدة..
هناك مشكلة لا يفهمها الكثير من الناس فيما يتعلق بالمساكين ، فليس شرطا أن يكون المسكين فقيرا رث الثياب ، وليس شرطا أن تظهر عليه المسكنة.
و للأسف لم أجد في تراثنا العربي إلا القليل عن هذه القضية قد يعبر المعنى العامي عن المسكين بشكل أفضل ،فالعامة يسمون البعض بالدرويش ،والدروشة تعني فيما اعتقد عدم القدرة على مجاراة الواقع والتعايش معه.. ولكم في الدياب دليل قاطع في معايشة بسطاء الحال، لأنه ولد حارة استنشق هواها الاجتماعية قبل أن يستنشق جدران الاسمنت والفولاذ.. رحمك الله يا أبا غنوة .. فقد كانت مشاعرك تعانق صدور البسطاء بكل معانيها في الوفاء والإخلاص .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *