جدة ــ البلاد
أعاد قرار المغرب قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران ، المشروع الفارسي الإيراني في الشمال الافريقي إلى الواجهة من جديد؛ إذ تمس طهران عمق المنطقة وهويتها واستقرارها السياسي، بطائفية عابرة للقارات، مستخدمه ميليشيا حزب الله.
هذا الذي ظل ولزمن ليس بالقصير، يتخطي دوره من اختطاف الدولة في لبنان إلى الانتشار كخلايا سرطانية في جسد المنطقة العربية؛ تنفيذاً لمشروع طهران الطائفي المفضي لزعزعة الاستقرار.
وانطلاقاً من جنوب لبنان، الذي حولته مليشيات إيران، إلى بؤرة لغرس التطرف والإرهاب وتصنيع الأسلحة، انتشرت أذرع الحزب التخريبية في جميع الدول العربية، تحت لافتات طائفية تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار.
ولا يقل دور حزب الله في سوريا، قذارة عما تقوم به المليشيات التي دربها في العراق، حيث تقاتل قواته علناً إلى جانب نظام الأسد لتعمق الأزمة السورية، وتضاعف تعقيداتها وتسهم مع النظام في سحق السوريين وتشريدهم يوماً بعد الآخر.
وعقب فشل محاولات طهران لاختطاف اليمن عبر مليشيات الحوثي الإرهابية ومشاركة عناصر “حزب الله” في التدريب والتمويل وتهريب الأسلحة لصنعاء، آثرت المليشيات أن تمد يدها إلى الرباط عبر دعم جماعة “بوليساريو” الانفصالية.
ويؤكد المخطط الذي فضحه وزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة، أن المشروع الطائفي التوسعي يهدف إلى التغلغل في الدول العربية في المشرق والمغرب، عبر أداته القذرة “حزب الله”.
فالمليشيات التي تئن الديمقراطية اللبنانية هذه الأيام من وطأة تقويضها لها عبر خروقات لا تحصى في الانتخابات النيابية، يسلح بيد أخرى جماعة البوليساريو الانفصالية في المغرب، ساعياً لتفكيك الدولة فيه، منذ ما يربو على العامين.
وبدأت خيوط المؤامرة الإيرانية على أمن المغرب تتكشف في الـ12 من مارس 2017 عبر توقيف أحد كبار مسؤولي “حزب الله” الماليين في أفريقيا قاسم محمد تاج الدين، بمذكرة اعتقال دولية في مطار الدار البيضاء، لتقوم المليشيات بإرسال أسلحة لجبهة البوليساريو الانفصالية.
وبحسب وزير الخارجية المغربي، فإن “حزب الله قرر إرسال صواريخ سام 9 وسام 11 إلى بوليساريو عن طريق عنصر في السفارة الإيرانية في محاولة لتقويض وحدة وأمن سلامة المغرب وأراضيه”.
وأضاف: “لدينا أدلة ومعطيات وتواريخ تظهر تورط عنصر واحد على الأقل بالسفارة الإيرانية في تنظيم كل هذه العمليات على مدى عامين على الأقل”.
ولم تكن محاولة حزب الله مع البوليساريو هي التدخل الإيراني الأول في شؤون المغرب، فقد قدم النظام الإيراني الدعم اللوجستي والعسكري لجبهة البوليساريو في حرب الصحراء، فيما كانت أولى مراحل القطيعة سنة 1979 إبان ثورة الخميني، لتصل مرحلة القطيعة التامة بدءاً من سنة 1981 بعد منح المغرب اللجوء للشاه.
ولا يكف النظام الإيراني عن العبث في أمن الدول والتدخل في شؤونها الخارجية، سواء بالمال أو السلاح أو دعم الطائفية والعمل على تقسيم الدول العربية، رغم تلقيه الضربة تلو الضربة، وكان آخر هذه الضربات القرار الذي اتخذه المغرب، الثلاثاء، بقطع العلاقات مع إيران وطرد السفير الإيراني.
وبحسب محللين فإن إيران تستخدم البوليساريو كأداة عقابية ضد الرباط، بسبب مواقفها ضد إيران في حرب اليمن، فضلاً عن العلاقات المغربية المتنامية مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أعلن المغرب دعمه لدول التحالف العربي، في اجتثاث مليشيا الحوثي الذراع الإيرانية في اليمن منذ اليوم الأول لعاصفة الحزم، والانقلاب الحوثي في سبتمبر من عام 2014.
وبحسب بيانات لوزارة الداخلية المغربية، فإن إيران تقوم بنشر الطائفية في بلاد المغرب العربي عن طريق ضباط استخبارات برداء طائفي، كما حذرت من خطورة النفوذ الإيرانى بالمغرب، ودور طهران في بعض الاحتجاجات التى شهدتها البلاد مؤخراً، فيما أكدت تقارير أن النشاط الطائفي الإيراني استقطب المئات من المغاربة، كي يعملوا وفق أجندات إيرانية.
تاريخياً، بدأت إيران تدخلاتها المذهبية عن طريق حزب البديل الحضاري الذي تأسس عام 2005، والذي يتبنى الطائفية الإيرانية.
ففي عام 2008، صدر قرار بحله، حيث تورط أمين عام الحزب ونائبه في قضية “الشبكة الإرهابية”، التي تم تفكيكها في مدينة الناظور (شمال شرق المغرب)، والتي كانت تهدد أمن المغرب.
ويقتات نظام إيران على تفتيت الدول وإشعال الصراعات والحروب وبث الفتن الطائفية، فلم يكتف بالدمار الذي أحدثه في سوريا واليمن عن طريق مليشيا الحوثي، وفى لبنان عبر حزب الله ، بل يصر على التمدد كالسرطان في كل أنحاء جسد الوطن العربي، حتى وصل إلى أقاصي المغرب.
وفى السياق، عدد المراقبون جملة من الأسباب دفعت دبلوماسية تنظيم “الحمدين” الحاكم في قطر، إلى تحاشي ذكر إيران في بيانها التمويهي بخصوص قطع المغرب علاقاته مع ملالي طهران؛ بسبب دعمهم لجبهة البوليساريو الانفصالية.
فالتحليل الأولي المباشر يقول: إن الدوحة، التي وضعت قرارها في أيدي الملالي منذ مفارقتها للإجماع العربي، تخشى غضبة طهران، لذلك اكتفى بيان الخارجية القطرية الصادر الثلاثاء، بإبداء تضامن خجول مع الرباط، دون أن يكشف ضد من؟ في مفارقة جديدة للصف العربي الذي أدان بلهجة واضحة وصريحة التدخلات الإيرانية في شؤون المغرب.
تحاشي ذكر إيران بالاسم أو التلميح في البيان القطري، أثار موجة من التساؤلات تعدت الأوساط السياسية العربية إلى جماهير وسائل التواصل الاجتماعي، التي اعتبرت الموقف القطري منقوصاُ.
ففي مثل هذه المواقف الحرجة التي تهدد فيها إيران أمن دولة عربية عبر السعي لتقسيمها، وإشعال نيران الطائفية في أرجائها، لاتجدي التعميمات التي حفل بها البيان القطري نفعاً، كونه يزيد من ضبابية مواقف “الإمارة الصغيرة” تجاه أشقائها العرب.
كما أن البيان القطري المقتضب يعتبر مفارقاً للأعراف الدبلوماسية بحسب محللين، أشاروا إلى أنه لايستقيم أن تعلن تضامنك مع دولة تتعرض للتدخل الخارجي، وتدعي حرصك على عدم التدخل في شؤون الآخرين دون أن تدين بشكل دامغ الطرف الذي قام بالتدخل في شؤون الدولة التي تتضامن معها.
وبعيداً عن التحالف القطري الإيراني ووفود الحرس الثوري التي أضحت تحط في الدوحة بين الفينة والأخرى، ثمة تشابه كبير في المشروع الجيوسياسي لطهران والدوحة؛ والذي تقع زعزعة أمن المغرب العربي ضمن أجندته.
فقطر ، والتي لم تدخر جهداً في دعم الجماعات الإرهابية في تونس وليبيا و إسلاميي، المغرب، لن تغضب إن قامت حليفتها بإرسال الصواريخ للبوليساريو، كما أن طهران لايمكن أن تقدم على الخطوة دون المرور بالدوحة.
وهو السبب الذي دفع المراقبين إلى الجزم بأن وحدة المشروع التوسعي الإيراني القطري جعلت الخارجية القطرية حريصة على عدم إدانة إيران حتى لاتدين مشروعها نفسه القائم على التدخل في شؤون الآخرين.