فى حوار صحفي أجراه في الطائرة على طريق عودته من القاهرة عقب زيارة تاريخية أجمع المراقبون على نجاحها وتحقيقها اختارقاً هائلاً فى سجل العلاقات التاريخية بين مصر والسودان أوجز الرئيس البشير رؤيته بشأن نجاح اللقاء الرئاسي الكبير مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقوله إنه لم يحس منذ أكثر من 25 عاماً زار فيها القاهرة عشرات المرات بشعور الارتياح والطمأنينة الذي أحس به وهو يجري مباحثات مع الرئيس المصري.
والواقع إن الزيارة الحافلة بالكثير والتي جرت مؤخراً بين الخرطوم والقاهرة هي في مجملها بمثابة عودة ميمونة إلى حقائق واقع علاقات البلدين التي عبثت بها فى الفترة الماضية تعقيدات مختلفة كادت أن تدخلها فى نفق مظلم. وبحسب متابعات (سودان سفاري) بالعاصمة المصرية فإن المحادثات التي جرت بين الرئيسين البشير والسيسي تركزت حول ترسيخ طبيعة العلاقة بينهما أولاً بما يحقق مصلحة البدلين في المقام الأول وقد اقتضى ذلك تجنب القضايا الخلافية الشائكة التي يصعب الوصول فيها إلى تفاهمات بسهولة ويسر مثل أزمة مثلث حلايب.
كما أن شعور البلدين بأهمية وإلحاح طبيعة العلاقة وخصوصيتها دفعتهما لترفيع اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين من لجنة وزارية تتكون من الوزراء المعنيين من الدولتين إلى لجنة رئاسية برئاسة رؤساء البلدين، وهو هذه في الحقبة بمثابة دفعة كبيرة وقوية للقضايا التي من المنتظر أن تتم ترجمة التوافق حولها على أرض الواقع، إذ أن هناك قضايا التكامل فى شتى المجالات وقضايا الحريات الأربع وإلغاء التأشيرة وقضايا الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين وهي كلها قضايا تهم شعبي البلدين بصفة أساسية وهو ما جعل من القمة محوراً رئيسياً لاهتمامات قطاعات واسعة من مواطني الدولتين.
كان واضحاً أيضاً من خلال متابعتنا أن قيادات الدولتين قد اهتديتا إلى الثقة المتبادلة التي كانت مفتوحة فى السابق طوال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وما شاب تلك الحقبة المظلمة من توترات مؤسفة عرقلت كل إمكانية لتقدم الدولتين. ولهذا فحين يقول البشير للصحفيين السودانيين فى الطائرة انه شعر بالارتياح لدى جلوسه إلى الرئيس السيسي وأنه لمس صدق الرجل ونواياه العميقة، فإن هذه هي المؤشرات الحقيقية لترمومتر الثقة وهي عملية مطولة ولكنها تبدأ بهذه الكيفية حيث يثق كل منهما فى الآخر ويتبادلا هذا الشعور.
الزيارة السودانية المؤثرة للقاهرة لم تتأثر بأجواء الدعاية الإعلامية غير الموقفة التى تولتها بعض وسائل الإعلام المصرية قبل الزيارة وأكد الرئيس البشير -بقوة ورحابة صدر- إن علاقات الدولتين لن تتأثر بتراشقات الإعلام غير الموقفة من بعض القنوات والصحف المصرية مما دعا الرئيس السيسي لتوجيه وسائل الإعلام المصرية بتحمل مسئولياتها حيال دعم وتقوية العلاقة بين البلدين باعتبارهما ليست وقفاً على الأجهزة السياسية الرسمية فقط. وبعد انقضاء يومين قضاهما الرئيس البشير بالقاهرة بدا واضحاً أن نقلة نوعية قد جرت فى هذا الصدد لهذه العلاقات التاريخية التي لا مثيل لها، وبدا واضحاً أيضاً من خلال وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان فى مطار القاهرة فى ختام المباحثات أن الإرادة السياسية القوية للقيادتين قد مضت قدماً بإصرار واختيار واقتدار باتجاه إعادة تعبئة أجزاء الدولتين بعطور ورياحين التاريخ والتكامل والتنمية المتبادلة وكان واضحاً أيضاً أن الخط الاستراتيجي الناقل لمصالح البدلين قد تم تجديده وتدشينه ليندفع زخم اللقاء معلناً عن صفحة جديدة لها بالتأكيد ما بعدها.