أرشيف صحيفة البلاد

الحياة في جدة القديمة

شاكر عبدالعزيز

تربطني بالحياة في منطقة جدة القديمة او التاريخية التي يطلق عليها اليوم هذا الاسم ذكريات بعيدة وسنوات عديدة .. فقد جئت الى هذه الاحياء وانا شاب صغير يبحث عن فرصة عمل مناسبة وارتبطت بالحياة في احد احياءها القديمة وهو (حي العمارية) هذا الحي يقع في وسط مدينة جدة تماما يحيطه من الشرق حي الكندرة ومن الجنوب باب مكة والصحيفة وهو (حي شعبي) عتيق بكل ما يحمله هذا المعنى واهله من الناس الطيبين هم ليسوا من اغنياء البلد ولكنهم متوسطي الحال.. الحي به مجموعة من المدارس الحكومية الشهيرة وعلى مقربة من الكيلو 2 بطريق مدارس الثغر النموذجية وفي هذه المدارس تمكنت والحمد لله من الحاق ابنائي احمد وعمرو بها حتى تخرجوا وحصلوا على الثانوية العامة ثم اكملوا دراستهم الجامعية في مصر احدهم تخصص في الهندسة والثاني درس الصحافة.
في هذا الحي عشت احمل الايام وانا شاب .. وعريس حيث جاءت زوجتي لتلتحق بي بعد عملي بالبلاد بحوالي سنة ونصف يومها قال لي الدكتور هاشم عبده هاشم وكان مديراً لتحرير جريدة البلاد في هذا الوقت .. آه .. خايف ان نشاط شاكر عبدالعزيز يقل عن معدله المعروف ولكني والحمد لله حاولت ان اثبت له العكس وزدت من نشاطي وعملي ودعوني اذكر هنا واقعة ظلت في طي الكتمان لسنوات طويلة.
حينما ابلغت الدكتور هاشم عبده هاشم عن عزمي على السفر الى مصر للزواج من الزوجة التي وقع عليها اختيار امي رحمها الله واسرتي.
وهي مهندسة شابة من نفس قريتي التي ولدت فيها (انشاص مركز بلبيس محافظة الشرقية) فوجئت باجتماع خاص عقد بين الدكتور هاشم عبده هاشم (نائب رئيس التحرير) والدكتور حسن ابوركبة (مدير عام مؤسسة البلاد للصحافة والنشر في هذا الوقت – يرحمه الله – والاستاذ الكبير عبدالفتاح ابومدين مدير ادارة البلاد ومدير الحسابات الاستاذ وهيب ليقروا لي صرف مبلغ كبير في هذا الوقت (ثلاثة الاف ريال سعودي هدية) وهي بادرة لم تحدث في جريدة البلاد من قبل رداً لنشاطي وعملي المستمر طوال السنة ونصف من بداية عملي.
بل وزدوا على ذلك منحي اجازة لمدة عشرة ايام لم تخصم من رصيد اجارتي السنوية وسافرت لمصر وتم الزواج وعدت الى جدة بعد عشرة ايام لتلحق بي زوجتي بعد انتهاء اجراءات سفرها.
جئنا وعشنا في منزل عم “حمدان الينبعاوي” وهو احد رجالات ينبع – يرحمه الله – كان يعاملنا مثل ابناءه .. حتى لو تأخرت في دفع الايجار كان يصبر علينا ويعفينا من دفع ايجار شهور الاجازة التي اسافر فيها الى مصر .. وكنا نتزاور انا وابنائي مع ابناءه في المواسم والاعياد .. اما اهل العمارية فمن التقاليد عندهم في هذا الزمن الجميل القديم هو فتح باب الدار يوم العيد مع وضع القهوة والحلوى في صحن الدار فاذا جاء الضيف ولم يكن صاحب الدار موجوداً فعليه ان يشرب القهوة ويأكل الحلوى ويدون اسمه انه حضر للمعايدة.
احببت هذه العيشة البسيطة السهلة وعشت انا وزوجتي وابنائي وسط هذا الحي العتيق كأننا في بلدنا .. وسط الناس الطيبين .. ودعوني اذكر انني تأخرت مرة في الجريدة لظروف عمل طارئة ولم يكن الجوال قد ظهر بعد ولم يكن لدي تليفون في منزلي وشاهد أهل الحي قلق زوجتي على غيابي فانطلقت خمس سيارات تحمل شباب اهل الحي للبحث عن الغائب شاكر عبدالعزيز الذي وجدوه بالجريدة بالله عليكم هل يمكن ان نترك هذا الحي وناسه الطيبين من اجل هذا مازلت اعيش في الحي العتيق “حي العمارية”.