حيدر إدريس عبدالحميد
مع اقتراب شهر رمضان الكريم أهداني صديق فلسطيني كمية من الحلو مر (أو الآبري الأحمر) أدخلت البهجة في نفسي لأنه من أشهر المشروبات الشعبية السودانية على المائدة الرمضانية.
والحلو مر باسمه المتناقض يعطيك الإحساس بهذا الطعم لأنه في الأصل مصنوع من نوع معين من الذرة تحتوي على نسبة أكبر من السكر عن الأنواع الأخرى وتعطي عند طحنها اللون الأحمر أو الأسمر وهو أقرب إلى (القمر دين) في شكله.
ويتم إعداد الحلو مر برش الذرة بالماء ووضعها على خيشة (أو على بِرش مصنوع من سعف النخيل) وبعد أن تنبت ليوم أو ليومين تحت الغطاء تجفف في الشمس ثم تطحن وتضاف إليها البهارات ومع خلط هذه الذرة الزريعة (النابتة) بالماء تتحول إلى عجينة وتتجمع الجارات في منزل إحداهن بعد أن يكن قد جلبن حطب الوقود ويبدأن في (العواسة) على (الدوكة) أو الصاج وتعرض الأقراص بعد تطبيقها للهواء حتى تجف ومن ثم تأخذ كل إمراة نصيبها من الحلو مر لاستخدامه فيما بعد كمشروب في رمضان بوضع القرص في الماء حتى ينقع ومن ثم يبرد.. ويمتد العطاء للمسافرين والغائبين بتحرك (الكراتين) في أصقاع الدنيا.
وهناك نوع آخر من الآبري أبيض اللون ويختلف عن الحلو مر في الطعم والقوام والتحضير.
وصناعة الحلو مر بنوعيه يتناقلها جيل من بعد جيل من النساء رغم توفر العصائر بمختلف الأشكال والأنواع فهذا المشروب له خاصية الإرواء بالإضافة إلى طعمه اللذيذ. ومن العصائر السودانية مشروب الليمون والكركديه والجوافه والعرديب والبرتقال والمانجو والقريب فروت, والقونقليس وهو من ثمار شجرة التبلدي.
ولرمضان أجواء روحانية محببة حيث يتجمع الجيران في القرى والمدن بما فيها العاصمة المثلثة (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري أي الخرطوم شمال) ليتناولوا طعام الإفطار في مجموعات بعد أن باعدت بينهم مشاغل الحياة في غير الشهر الفضيل وأيضاً للغاشي والماشي وعابري السبيل أما القرى والمدن التي تقع على الطرق القومية فقد اعتاد أهلها على اعتراض عربات المسافرين ومناشدتهم بقوة للتوقف للإفطار قبل أن يستأنفوا رحلاتهم إلى حيث يقصدون.
هذه العادة المتأصلة في نفوس السودانيين قاطبة أصبحت تسمى الآن بموائد الرحمن وقد انتشرت في العديد من الدول الإسلامية بفضل الله تعالى.
وتتسم أيام وليالي رمضان بالحركة والنشاط ولا يتغير إيقاع الحياة السابق إلا بكثرة ارتياد المساجد وصلاة التراويح في الساحات,رجالاً ونساء وأطفالاً,وزيارة الأقارب والجيران بكل معاني الود والتسامح والتصافي أما عند إقتراب نهاية الشهر يبدأ التجهيز لاحتياجات العيد بالتركيز على الأطفال وتنهمك النساء في (الخبيز) لصنع أنواع من (الكعك) وشراء الحلوى وفي صباح العيد وقبل وبعد الصلاة يسير الناس أفواجاً من منزل إلى آخر لمباركة العيد والتهنئة بقدومه.
بلغنا الله وإياكم شهر رمضان.