[ALIGN=LEFT]عبد الوهاب العريض[/ALIGN]
عِنْدَمَا يَغْتَسِلُ الصُّبْحُ مِنْ شَفَةِ القَهْوَةِ، أُمْسِكُ الحَرْفَ النَّازِفَ خَلْفَ المحِْبَرَةِ،
أَنْظُرُ بَعِيدَاً لَعَلِّي أَتَعَثَّرُ بِرَائِحَةِ الفِنْجَانِ الَّتي خَلَّفَهَا المَسَاء .
**
كَانَ اللَّيلُ طَوِيلاً، وَ النَّهَارُ يَنْسَحِبُ مِنْ ب َينِْ الأَصَابِعِ كَقَطْرَةِ مَاءٍ خَلَّفَهَا نَهْرٌ عَابِر ..هَمَسَ الوَقْتُ فِي جَيْبِهِ فَأَخْرَجَ
مَا تَبقَّى مِنْ المحَْبَرةِ .
**
صُرَاخُ طِفْلٍ نَائِمٍ يُوقِظُ جَسَدِي فِي الصُّبْحِ، وَ العُيُونُ الَّتي تجَُوبُ المَكَانَ بَحْثَاً عَنِّي أَصْبَحَتْ تُؤلمُِنِي
كَمْ يَتَعَلّْقُ عُمْرِي بِهَذِهِ النَّظْرَةِ التَِّي مَا عُدْتُ أَرَاهَا مِن سِوَاه .
**
في عُيُونِهِ لمحََْةٌ مِنْ بُكَاءْ ..وَفِي وَجْهِهِ ب َقَايَاً مِني حَمَلَنِي بَينَْ كَفْيّهِ، عَلَّقَ اللَّوْحَةَ فِي الجِدَارِ وَنَسِيَ أَنْ يَضْرِبَ
المِسْمَاَرَ فِي جَسَدِي .
ضَحَكَاتُ عَيْنَيْهِ تَكْشِفُ عَنْ سَذَاجَتِي أَحْيَانَاً، وَ لمَعَانٌ يُشْعِرُنِي بِأَنَّهُ لاَزَالَ يَنْتَظِرُ عَوْدَتِي .
**
كَانَتْ الجُمُوعُ مُحْتَشِدَةً لحَْظَةَ الوَحْشَةِ ..الكُلُّ يَعْبُرُ، وَ الْكُلُّ يَرْحَلُ ..أَسْنَدنِي مِنْ جَنْبٍ ..كَانَيُوجِعُنِي وَ رَاحَ
يَشْهَقُ فِي البُكَاءِ ..حِينَهَا عَرَفْتُ بِأَنَّهُ مَازَالَ ي َحْمِلُ قَلْبَ طِفْلٍ بِحَاجَةٍ لحَِنِينٍ أَكْثرَّ .
**
كَانَ الجِدَارُ يُسْنِدُنَا ..ثَلاثَةٌ اتَّكَأَ الصُبْحُ عَلَى أَرْجُلِهِم، وَمِنْ بَينِْ عُيُوِنِهِمْ اخْتُزِنَتْ الدُّمُوعَ ..مَنْ كَانَ يَنْظُرُ هُنَاكَ
يَعْرِفُ بِأّنَّهُم لاَز َالُوا يَشْهَقُونَ بِالبُكَاءِ وَ النَّحِيبِ المَنْسِي .
**
عَيْنَاهَا حَمَلَتْ صَمْتَ المَدِينَةِ، وَ فِي وَجْهِهَا قَلَّبْتُ كُلَّ اللَّحَظَاتِ
قَاوَمْتُ ب ُكَاءَهُ كُلَّ اللَّيَالِي، وَ حِينَ حَضَرَ عَانَقَتُه وَ بَكَتْ،لَمْ تَسْتَطِع مُقَاوَمَةَ اللَّحَظَاتِ، فَرَاحَتْ تَهْرُبُ دَاخِلَهُ وَ
تُخْفِي صَمْتَهَا،،
تُخْفِي ب ُكَاءَهَا بِشَهِيقٍ لا يَنْتَهِي ..وَ حُلُمٍ لا يَتَوَقَّفْ .
**
مَنْ قَاوَمَ النَّوْمَ فِي جَسَدِهِ هَذَا الصَّبَاحْ ؟ حَمَلَ جَيْبَهُ وَ الْقَلَمَ وَ عَبَرَ بَينَْ المَرَايَا كَغَرِيبً جَرَّحَتْهُ المَرَايَا الصَّقِيلَةِ
لِلأَْبْوَابِ المُوَار َبَةِ فِي ذَاكِر َتِهِ .