بقلم: أحمد المهندس
* قبل عشر سنوات بالتمام والكمال..وبالتحديد في العام 2000م طلبت من سيدنا الأديب الكبير الراحل المقيم عبدالله الجفري رحمه الله مقالاً عن مكة المكرمة باعتباره أحد أهم ابنائها ليتصدر الصفحة الأخيرة من مجلتنا \"العقارية\" المتخصصة باقتصاديات العقار وعددها الخاص عن أم القرى وتطورها حرسها الله.
وتجاوب أديبنا الرائع كعادته مع دعوات تلاميذه وزملاء الحرف.. ولأني اخترت موضوعاً لا يمكن لسيدنا أن يرفض الكتابة فهو من احب المواضيع والأمور اليه.
وتجاوب مشكوراً وأرسل المقال وعنوانه \"أم القرى..أشرف المدن\" نشر في الصفحة الأخيرة بعدد مكة المكرمة الوثائقي.. وبعد عشر سنوات من كتاباته وبعد أن أصبح سيدنا في ذمة الله.. استعدت ذكريات ذلك الموقف وتلك البادرة والمقال التاريخي.
وأنا استعد لاصدار عدد جديد بعد عشر سنوات عن أغلى البقاع في العالم وأشرفها \"مكة المكرمة\" وعدت لقراءة محتوى مقالته للمرة المئة.. وأتذكر مقدار حبه لمسقط رأسه كمكاوي أصيل من آل البيت.
فماذا قال سيدنا الجفري \"عبدالله\" عن مدينته المقدسة هل تسمحون لي بإعادة المقال التاريخي الذكرى بكل حروفه التي لا تموت.. فالعبارات والكلمات الصادقة والقلبية والانسانية لا يمكن أن ننساها حتى لو أصبح صاحبها وكاتبها تحت الأرض مدفونا .. يقول سيدنا وأديبنا:
أن مكة المكرمة لن تكون مجرد مدينة يمكن أن يتحدث المعجب بها عن حضاراتها أو جاذبيتها أو عمقها التاريخي.. بل هي \"أم القرى\" وأم المدن وأم الأديان وأم البشر مكة المكرمة.. من اسمائها \"مهبط الوحي\" حيث تلقى الحبيب محمد الرسول صلى الله عليه وسلم توجيه ربه أن يصدع بالاسلام.. كلمة حق ودين نور وعدل.
ومكة المكرمة قبلة المسلمين.. حيث تتوجه اليها وجوه المسلمين خمس مرات في اليوم والليلة.. وكلما اتجهت اليها الوجوه بقلوب وأفئدة أصحابها الخاشعين كلما ازدادت نوراً من وهج \"القبلة\".
وعن ذكرياته يقول سليل البيت الشريف:
إن مكة المكرمة شكلت لي حضن الأم الذي ارغدني فترعرعت تحت سمائها وفوق ترابها الطاهر وتشكلت انسانيتي ومعرفتي، وعلمي، ووجداني من ذلك النور الذي يشع من جنباتها ابداً.. حتى كأن روح الانسان تحلق هناك في \"قاعة الشفاء\" التابعة لمحلة \"الشامية\" كان ميلادي.. وعندما هيأني العمر لبدء الدراسة في المدرسة \"الرحمانية\" في المسعى.. كنت وزملائي نستقبل الكعبة بعد عصر كل يوم نصلي ونتذاكر دروسنا جماعات ونبتهل في خشوع القلوب وروحانية الحرم.
ويكبر بنا العمر.. وتأخذنا الحياة بما تضطرنا اليه من بعاد واقتراب ومن وصال والتهاء بمشاغل الدنيا.. ونترك السكن في \"مكة المكرمة\" لنحل في مدينة جدة ولكن \"مكة المكرمة\" لا تتركنا تبقى ساكنة في صدورنا معمرة نفوسنا متجذرة في أعماقنا الروحية والانتمائية..فإذا كان الكثير من ابناء \"مكة المكرمة\" قد هجرها كمدينة سعياً وراء الرزق والفرص الأوسع.. فإن \"مكة المكرمة\" أكبر من الهجر ملتحمة بمشاعرنا\".
وكإنسان يعرف شعابها وتاريخها ومستقبلها ينهي الراحل المقيم عبدالله الجفري مقاله الذكرى بخلاصة ودعوة جهة الاختصاص والمسؤولين يدعوهم فيها إلى الحرص على العقارات في مكة المكرمة من خلال هذه المجلة المتخصصة:
(واذا كنت أكتب في مجلة متخصصة في الاقتصاد العقاري.. فإن عقار مكة المكرمة أكثر تميزاً في نسقه المعماري وفي صبغته الاسلامية لمجتمع أكثر محافظة وجمع شمل، وتمسك بالقيم والتقاليد الاجتماعية الموروثة.
وكم دعونا المهتمين إلى مضاعفة أموالهم أن يحافظوا على تراث المعمار في مكة المكرمة وأن لا ينساقوا وراء صرعات البناء الحديث الذي نحسبه ايضاً.. لا ينسجم مع طبيعة طقس مكة المكرمة وجمالها.. فهدمت نماذج معمارية أكثر دلالة على جماليات البناء القديم في مكة المكرمة مثلما هدم الكثير من الآثار الاسلامية التي سيحاسبنا التاريخ على التفريط فيها.. إن مكة المكرمة هي وجدان كل مسلم.. يفديها بالدم والمال والروح وستبقى مكة المكرمة.. وقد شرفها الله بحرمه وكعبته وهي مهوى الافئدة).
ولأنها حضنته صغيراً وقدمته للحياة كبيراً مبدعاً وكأديب وصحفي كبير ومبدع في الكتابة الانسانية المنغمة.. كانت الأم الرؤوم أم القرى أكثر فرحاً بأن تضمه مرة أخرى إلى حضنها الحنون وترابها الطاهر وتضم رفاته بعد الرحيل المر والانتقال إلى الرفيق الأعلى بعد أن أدى مهمته والأمانة وواجبه الانساني نحو اسرته ومحبيه ووطنه.
ورقد بين حنان جنباتها ومقابرها العتيدة بأمان.. وصدق السيد فمدينته \"مكة المكرمة\" التي شكلت له حضن الأم وترعرع تحت سمائها وفوق ترابها الطاهر ضمت جسده أخيراً انها وجدان كل مسلم ومهوى الأفئدة.. رحمك الله يا سيد الكلمة.. يا ابن مكة البار وهنيئاً لك هذا الشرف في الانتماء للمكان وشرفه.
ناشر ورئيس تحرير مجلة العقارية
عضو هيئة الصحفيين السعوديين
عضو هيئة الناشرين السعوديين