بخيت طالع الزهراني
(1)
ما الذي يدفع بشاعر مثل أبي العلاء المعري – الشاعر العباسي – أو كما وصفه بعض النقاد بشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء , وممن امتلك ناصية القوافي بمهارة فائقة , لأن يقول ذات مرة شعراً صار حكمة من الحكم :(الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ ….. بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ ) ؟
والجواب أظن أنها مسؤولية الشاعر من حيث كونه منافحاً عن العدالة الاجتماعية , ومن دون أن نعرض للخلاف حول شاعرية المعري , وكونه كان قريناً للمتنبئ أم لا ؟ .. وما إذا كان مات ملحدا أو مؤمنا , أو ما هو مذهبه , فذاك ما سوف يكون بينه وبين الله تعالى .
(2)
ويهمنا هنا أن نقول أن التمايز بين الناس , وتصنيف أفضليتهم على أساس النسب والعرق واللون , هي من أحط الخصال التي يمكن أن يتصف بها أي إنسان , وهي صفة جاهلية دون شك , وعلامة على عدم التحضر .
والواقع أن الإسلام قد جعل الناس سواسية , أفضلهم أتقاهم , ولذلك قال الشاعر نشوان بن سعيد الحميري : ( آل النبي هم أتباع ملّته …. من الأعاجم والسودان والعرب ) … ( لو لم يكن آله إلا قرابته …. صلى المصلي على الطاغي أبي لهب ).
(3)
ويظل التعصب خصلة ذميمة سواء كانت للقبيلة أو النادي أو المذهب، ذلك لأن المتعصب يدعو دائما إلى نصرة عصبته والتآلب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين، وهو مما يجعل المتعصب يرى العاطفة قبل العقل رافضاً النقاش والحوار، وبذلك فالمتعصب لا يرى الواقع على حقيقته أبداً.
(4)
ومن أنواع التعصب ما كان دينياً كالغلو، وما كان عرقياً وقومياً وقبلياً، وما كان للون والجنس، أو للرياضة كما نرى هذه الأيام عندنا ، حتى أننا صرنا قبل أيام نرى أطفالاً يشجعون أندية عندنا يضعون أيديهم على خشومهم في إشارة إلى معنى “غصباً عنك” وهو تلقين غير جيد للنشء على هذه الخصلة غير الحميدة، ومنه ما كان تعصباً طبقياً فيه تمييز للناس على أساس الحسب والنسب أو البدو والحضر، أو المدن فيما بينها أو الدول، أو الغني والفقير، وما يرافق ذلك من احتقار الآخر وعدم الاعتراف حتى بآدميته أحياناً.
(5)
علينا في الواقع أن نتذكر أن النبل والعلو وعلامة الرقي والتحضر، ما كانت إلا لتدعو إلى المساواة بين الناس، واحترام الآخر، والترحيب بالحوار معهم بما يثري النقاش ويصنع فكراً تبادلياً راقياً،وأخيراً فإنني أظن أن التعصب الوحيد المقبول هو التعصب للحق..