بخيت آل طالع الزهراني
ذات مرة دعينا نحن الصحفيون إلى مؤتمر صحفي تجاري عقد بأحد فنادق جدة، بمناسبة تدشين منتج يدخل لأول مرة إلى السوق السعودي، الضيف الكوري الجنوبي المسؤول عن الشركة الصانعة للمنتج ، قام والقى كلمته ، وظننا أنها ستكون في حدود عشرين دقيقة تقريباً .
لكن المفاجأة عقدت ألسنتنا ، وغشيت ملامحنا , أن “ خطبة “ الضيف الكوري كانت في حدود ستة أسطر تقريباً، تم توزيعها علينا فيما بعد .. إلى أن جاءت كلمة ممثل الشركة هنا بالمملكة من اخواننا السعوديين، فأخذ ناصية الميكرفون ليتحدث كثيرا وطويلاً ، سارداً ما كتبه في ثلاث ورقات تقريباً .. عندها تأكدت ومن معي، كيف ولماذا نجحت كوريا الجنوبية , ومعها بقية منظومة دول النمور الآسيوية في اقتحام عالم الصناعة والتجارة والالكترونيات ، بعد أن “ وفروا “ الكلام لغيرهم , وتفرغوا للعمل فقط .
* هذه الحكاية الظريفة تذكرتها وأنا اقرأ قبل فترة ، شيئاً يثير الضحك حقاً، وسبب ذلك أن وزارة التعليم عندنا سبق وأن اعلنت على رؤوس الاشهاد أنها قررت “تعيين ممرضة.. في كل مدرسة بنات “ وكنا هنا في “ البلاد “ ممن نشر الخبر مع بقية الصحف المحلية التي نشرته .. وإن كنت شخصياً – حينها – قد شككت في مدى قدرة الوزارة على تنفيذ ما قررته .
وبعد شهور من ذلك التصريح صدق حدسي وأنا اقرأ في “الشرق الأوسط” تصريحاً للدكتور سليمان الشهري مدير عام الادارة العامة للصحة المدرسية للبنات بوزارة التربية والتعليم، وملخصه أن الوزارة قد “ تراجعت “ عن اقامة “ مشروع ممرضة في كل مدرسة” .. وأعاد سبب التراجع إلى نقص الكوادر التمريضية بالسعودية .. “ طيب ليش صدر القرار أصلاً “ ؟ .. وعلى أي أساس علمي منهجي صدر؟.. ومن المسؤول عن هكذا تصريحات؟ .
* وإذا شئتم مثالاً آخر ، فاليكموه .. فقد صرح لي وانا في “ اقرأ “ رئيس بلدية جدة “الأمين – الآن “ حينذاك , باقتراب اقامة مشروع حديقة حيوان في جدة , وانها ستكون الأضخم في المنطقة .. فأين هي الحديقة الآن .. حيث لا ترى عيوننا حاليا لا اضخم ولا حتى اصغر .
* ولو كانت المساحة هنا تسمح لقدمنا أمثلة أخرى ، ولكننا نخلص إلى أننا لا نقصد هاتين الجهتين تحديداً، ولكننا نقصد التصريحات والوعود، التي تتطاير في الهواء فيتلقفها الناس، ويزهو بها المواطن فرحاً ونشوة، ثم عندما يحين موعد “الله.. الله” لا تجد منها على الأرض غير “السراب” .
خصوصاً عندما يتم تطيير هذه “التصريحات / الأخبار” عبر الوكالة والصحف، فيظن الناس أنها صادرة عن رؤية ثاقبة، عطفاً على أن البديهي وخصوصاً في هذا العصر أن لكل مرفق حكومي أو أهلي، ما يعرف بـ “الرؤية الاستراتيجية” وهي جملة البرامج التي تقوم على ربط كل مشروع بدراسة دقيقة، وزمن تنفيذ محدد، لا يتقدم عنه ولا يتأخر “قيد أنملة” .
وهكذا هي الادارة الحديثة في العالم كله، وهكذا هو الأسلوب العصري للأمم التي تريد أن تسابق وتزاحم على احتلال الصدارة، فهل يفهم هذا عدد من اخواننا المسؤولين هنا؟ .