الأرشيف النادي

البيت والمدرسة المعادلة المشتركة

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبدالفتاح بن عبدالقادر الرحالي[/COLOR][/ALIGN]

شكاوى الصغار وحدها لا تحل الإشكال
ليس خروجاً على نهج هذه الخواطر والتأملات إلى لون من التوجس والانهزامية أن تصف بعض سطورها العلاقة بين البيت والمدرسة بأنها \"صعبة\".
بل هي محاولة لاستهلال هذه السطور المهمة بإضاءة واقعية لطريق هذه العلاقة، فهي علاقة حتمية لا يملك بيت ان ينعزل عنها، وهي علاقة تداخل وتكامل، شئنا أم أبينا.
إنها المعادلة الصعبة التي تتطلب شيئاً من التؤدة والأناة، لفك رموزها، وكثيراً من التقوى والدعاء، للتغلب على ما يستشكل ويستعصي على العاقل الأريب.
ليست معاول هدم.
كم نحتاج إلى عين البصيرة لتزن ما تراه عين البصر.
وكم نحتاج إلى صبر جميل على أذى نسمعه ينال فلذات أكبادنا في بيتهم الآخر.
نحتاج إلى اطّراح نظرية \"معاول الهدم\" (التي تشبه نظرية المؤامرة؛ ذلكم المعوّق الخطير)، فلا ننظر إلى آفات الواقع المدرسي على أنها بالضرورة معاول هدم؛ لما نبنيه في بيوتنا.
بل نسمع من صغارنا، ونصبر، ونحلل ما سمعناه تحليلاً لا يعزل بعض العوامل عن بعض:
فنتذكر احتمالية جنوح الصغير إلى الخيال والمبالغة أو تضخيم الوقائع الصغيرة،
ونتذكر أن المعلم والمعلمة ليسا معلمين مختصين بصغيرنا وحده دون آخرين معه،
ونتذكر كذلك أن شجرة التفاهم والتعاون بين رعاة البيوت ودعاة المدارس، تحتاج إلى سقاء ورواء؛ فنتعاهدها بتلبية للدعوات، وحضور للاجتماعات، وشيء من الزيارات؛ يمد جسور الثقة والتكامل بين دار العلم ودار العائلة.
ثم لنتذكر أخيراً كم يحتاج أحباب قلوبنا إلى \"توازن\" في معالجة مشكلاتهم المدرسية؛ يعزّز شخصياتهم، ويدرّبهم على الثقة بنفوسهم، والشجاعة في مواجهة الأذى، وغير ذلك مما يحتاجون له (وتحتاج له الأمة) في مستقبلهم المنتظر.
قصة، تفك بعض الرموز
اشتكى الصغير كثيراً من اضطهاد بعض زملائه له؛ حتى بدا والده (منزعجا مما يسمع) ضعيف الشخصية، مهيض الجناح، في فصله الدراسي.
كما اشتكى من اضطهاد المعلم وأنه (رغم تفوقه الكبير الظاهر لوالده) لا يحصل على التشجيع والمكافآت التي ينالها آخرون أقل مستوى منه.
ويشتكي الصغير، ويسمع الأب، مراراً وتكراراً في حلقة مفرغة، يدور في رأس الأب الهواجس والوساوس؛ حتى ألهمه رشدُه يوماً أن يذهب لاستقصاء الأمر، ومعاتبة مدير المدرسة والمعلمين، فرأى بعيني رأسه في فناء المدرسة صغيره (الشاكي آنفاً) شخصية قيادية؛ يلتف حوله زملاؤه، وينطلقون في مرح وسرور
ثم سمع من مدير المدرسة ومعلمه وقد بدا عليه التأثر الصادق عبارة إنكار واستنكار للتفريق في المعاملة، وأن ذلك ما هو إلا أوهام صغار، قائلا: \"كيف، أليس لنا أبناء مثله أخاف عليهم جزاء ذلك؟!\".
إننا لا ننكر آفات ومفارقات تكتنف الواقع المدرسي، وتفرز مشكلات كثيرة تدع الحليم حيران.
لكننا نريد أن نضيء طريق التكامل بين الدارين بشمعة بدلاً من لعن الظلام.
حروف الختام
قال الله جل وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة ـ 8).
فهل نتعقّل ونتمَهل، قبل إصدار الأحكام وإطلاق عبارات الغضب، حين نستمع إلى شكاوى وقصص صغارنا في المدرسة؟!
أحسب أن في هذه الآية الكريمة دواء لمن يستصعب عليه ذلك.

مدير ثانوية ابن البيطار بجدة
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *