جدة- عبدالهادي المالكي
بذلت الدولة وما زالت تبذل جهودًا مضنية، وتتخذ خطوات حثيثة لإقامة العديد من المنشآت الحيوية، والمرافق العامة في جميع أرجاء المملكة، لا سيما في جدة، حيث خصصت لهذه المرافق ميزانية مالية كبيرة، من أجل خدمة المواطنين، وتوفير شتى أنواع الرفاهية لهم، ومن أهمها الحدائق العامة والمتنزهات والشواطئ والكورنيش.
وتتمتع مدينة جدة بميزات عدة، تجعلها محط اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين، فهي مدينة ساحلية وواجهة سياحية مهمة للسائحين والحجاج والمعتمرين القادمين إلى المملكة. ورغم عناية الدولة بجدة، غير أن بعض الزائرين قد يصدمهم الواقع الذي لم يصل بعد إلى مرحلة الكمال.
تلوث بصري:
فثمة إهمال واضح في تلك المرافق، وخاصة الحدائق العامة المنتشرة في جميع أحياء المدينة، بل إن بعضها تقع على طرق رئيسة وسريعة، وقد أصبحت منظرًا يقذي العيون بعدما كانت سرة للناظرين من المواطنين والمقيمين.
ويُلاحظ أن ثمة مشكلة أساسية تتمثل في عدم الاهتمام بصيانة ورعاية بعض هذه الحدائق والمتنزهات، مع تردي النظافة فيها، مما أدى الى تصحرها وجفاف أشجارها، بعد توقف الماء عنها دون سبب واضح.
كما تحطمت الأرجوحات الموجودة فيها واختفت الإنارة في المساء تدريجيًا، حتى أصبح مرتادوها يعتمدون على إنارة سياراتهم لقضاء ليلة جميلة في تلك الحدائق، إذ لا يستطيع الأهالي ارتيادها في النهار؛ بسبب القيظ وارتفاع درجات الحرارة، وعدم وجود أشجار كبيرة يمكن الاستظلال بها.
غياب المرافق:
كما تفتقد بعض هذه الحدائق والمتنزهات لأحد أهم المرافق، وهي دورات المياه، كما لا يوجد فيها حاويات أو سلال للمهملات والمخلفات، وبعضها يوجد به حاوية واحدة فقط، مما يجبر الأهالي على ترك مخلفاتهم في أماكن جلوسهم، مما يلوث بيئة هذه الحدائق ويسبب لها تشويهًا حضاريًا منفرًا.
ولقد أنشأت أمانة جدة خزانات أرضية كبيرة، مع مضخات لرفع المياه، في الحدائق وعمل تمديدات من هذه الخزانات لري كل حديقة منها، إلا أن بعضها الخزانات تحولت إلى مجرد ديكور، ولا يتم استخدامها بالرغم من صرف ملايين الريالات عليها،
وفي بعض الحدائق لم يتم توزيع المياه بالشكل الصحيح، مما جعل عملية الري متفاوتة من مكان لآخر، إذ تصل المياه لبقعة دون أخرى، وهو ما أدى إلى وجود رقع غير مزروعة أو متصحرة في هذه الحدائق، بالرغم من توفر المياه بالقرب منها. كما قامت أمانة جدة بحملة شرسة بإزالة الأشجار المنتشرة في شوارع جدة، دون وضع بديل لها، بالرغم من دورها الحيوي في المدينة؛ في تنقية الهواء وتوفير الظلال، وتجميل المدينة بالرقع الخضراء.
شكاوى المواطنين:
وحدد عدد من المواطنين مواضع الاهمال في الآتي: عدم صيانة ملاهي الأطفال، وقلة عددها مقارنة بحجم الحديقة وعدد الزوار، وعدم الاهتمام بأرضية الحديقة حيث يتم زراعتها في أول يوم من افتتاحها، وبعد ذلك تحرم من الماء مما يؤدي إلى تصحرها ناهيك عن عدم وجود دورات مياه نهائيًا؛ مما يضطر الأهالي الذين لديهم أطفال إلى اللجوء لسلوكيات غير لائقة مثل السماح لأطفالهم بقضاء حاجتهم خلف السيارات، أو الخروج من الحديقة تمامًا. فضلًا عن عدم وجود مواقف لبعض الحدائق.
وأشار هؤلاء المواطنون إلى بعض الحدائق التي أهملتها البلدية وتحتاج إلى توفر الخدمات الرئيسة فيها مثل: حديقة النخلة الواقعة بطريق جدة – مكة السريع، وحديقة الضحى، وحديقة الطفل بالكيلو 11، وحدائق مخطط بن لادن.
الغابة الشرقية:
الغابة الشرقية في مدينة جدة التي تأسست على مساحة تبلغ 2,5 مليون متر مربع وبلغت تكلفتها 30 مليون ريال، وبعد أن استبشر أهالي مدينة جدة بها خيرًا، بأن تكون متنفسًا لهم، للخروج من زحام الكورنيش، إلا أن هذه الفرحة لم تلبث طويلًا ،بعد أن جفت مياه الغابة وأشجارها، وتحولت إلى أكوام من الحطب تنتظر شراره واحدة حتى تحدث كارثة كبرى بشرق المحافظة.
وهذه الغابة بها أكثر من 160 ألف شجرة متنوعة، وبتنسيق متقن، وفيها تمديدات للمياه، وقنوات بطول أكثر من ثلاثة كيلو مترات لتصريف المياه وتوزيعها بين الأشجار بالتساوي، إلا أن السيول الأخيرة التي هطلت على جدة جرفت تلك التمديدات ودفنت كذلك القنوات.
لطالما اشتهرت هذه الغابة بالجبل الأخضر، الذي كان معلمها البارز لدى الزائرين، والآن تحولت إلى صحراء قاحلة لا يأوي إليها حتى الطيور. كما يعاني المتنزه، الواقع شرق جدة وبالقرب من بحيرة المسك بعض مظاهر الإهمال؛ حيث خلا من أبسط مقومات الراحة للمتنزهين الذين ينتشرون على هذه المساحة الشاسعة؛ إذ لا توجد به سوى صالة لكبار الزوار، ومصلّى ودورة مياه واحدة.
وفي جولة لـ(البلاد) بدا واضحًا الغياب التام للمتنزهين، وعدم توفر حدائق ترفيهية ومطاعم وأكشاك للبيع بشكل مناسب، الأمر الذي يضطر البعض لقطع 18 كيلومترًا لشراء احتياجاتهم من أقرب مكان عن المتنزه.
وسبق أن أعلن رسميًا في جدة في 7 محرم 1430هـ، عن تحوُّل منطقة شرق الخط السريع من مصدر للتلوث البيئي خلال السنوات الماضية، إلى مصدر اقتصادي يدرّ ملايين الريالات، ومنطقة سياحية فريدة من نوعها، وذلك بعد تدشين مشروع الغابة الشرقية، بجوار بحيرة الصرف الصحي ومشروع تدوير النفايات وتحويلها إلى موارد يُستفاد منها، وتعود بمردود اقتصادي جيد وتكون صناعة جديدة للمنطقة.