جدة ــ البلاد
شدد خبراء واقتصاديون على أن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى بريطانيا، حملت في طياتها العديد من الملفات المهمة، فى مقدمتها، الجانبان الاقتصادي والأمني، حيث تكتسب الزيارة أهمية استثنائية في وقت تتفاوض فيه لندن للخروج من الاتحاد الأوربي، فيما تسعى المملكة لتنفيذ أهداف رؤيتها 2030.
وقال المحلل الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين، لـ قناة الإخبارية السعودية” : إن الخروج من الاتحاد الأوروبي يدفع بريطانيا إلى إعادة ترتيب علاقاتها الاقتصادية وتشكيل تحالفات جديدة وشراكات، تعوضها عن بعض خسائر الخروج المتوقعة، وتابع : أحسب أن المملكة الباحثة عن شراكات معززة لرؤيتها المستقبلية من الخيارات الأهم والأكفأ لبريطانيا، وهو ما أشار اليه سمو ولي العهد في حديثة لصحيفة التليغراف؛ حين تمنى أن تستفيد لندن من الفرص الاستثمارية والتجارية المنبثقة عن رؤية 2030″.
ونوه البوعينين إلى أن رفع حجم الشراكات الاقتصادية إلى 90 مليار دولار، يعد رقما جيداً جداً، حيث سترتبط الصفقات بالقطاعات الاستراتيجية المطلوبة، ضمن رؤية 2030، ومنها قطاع التكنولوجيا.
وكان ولي العهد قد زار “10 داونينغ ستريت” مقر رئاسة الوزراء البريطانية، حيث عقد محادثات ثنائية مع تيريزا ماي، أفرزت تأسيس وإطلاق مجلس الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وبريطانيا. واتفق الجانبان على رفع حجم التجارة والاستثمار إلى 65 مليار جنيه إسترليني “نحو 90 مليار دولار” في السنوات المقبلة، تشمل الاستثمار المباشر في بريطانيا ومشتريات عامة سعودية جديدة من شركات في المملكة المتحدة.
وقال المتحدث باسم “داونينغ ستريت” : إن هذه الاستثمارات ستشمل عدة قطاعات بينها: التعليم والتدريب والمهارات والخدمات المالية والاستثمارية والثقافة والترفيه، وخدمات الصحة وعلوم الحياة، والتكنولوجيا والطاقات المتجددة والصناعات الدفاعية.
ولفت البوعينين إلى أن ملف طرح 5 في المئة من أسهم أرامكو للاكتتاب حضر بقوة؛ حيث تسعى الحكومة البريطانية لأن تحظى سوق لندن المالية بنصيب من الطرح والإدراج.
يشار إلى أن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المهندس خالد الفالح ذكر لمحطة “سي إن إن” التلفزيونية، أن “بورصة لندن واحدة من الأفضل في العالم ولها قواعد منظمة جيداً ونحترمها”، كما أن لديها الكثير من الشركات الكبرى، من بينها شركات بقطاعي البترول والغاز.
واكد الفالح أن المملكة ما زالت تنظر في إمكانية طرح أسهم أرامكو السعودية، في بورصتي لندن ونيويورك، وبورصات أخرى عالمية.
وأضاف البوعينين: إن الملف الأمني ومكافحة الإرهاب من الملفات المهمة والمتقاطعة مع الملفات الاقتصادية، حيث أشار سمو ولي العهد إلى أن الشراكة مع بريطانيا تجعل البلدين أكثر امناً، وهذا أمر دقيق.. حيث تعزيز الأمن يرسخ النمو والازدهار الاقتصادي.
واختتم قائلاً: “بشكل عام يعمل سمو ولي العهد على اعادة رسم العلاقات السياسية والأمنية، على أسس من الشراكة الاقتصادية المستدامة، وبما يحقق المصالح الوطنية”.
بدوره، أشار المحلل الاقتصادي محمد سليمان العنقري، إلى أن انفتاح رؤية 2030 على العالم يرسخ لتعزيز الشراكة مع الاقتصاديات الكبرى، لافتا إلى أن زيارة ولي العهد إلى بريطانيا مهمة جداً؛ للاستفادة من أحد أكبر الاقتصاديات على مستوى العالم. وذكر أن بريطانيا تمتلك إمكانات صناعية وإدارية ضخمة، فضلاً عن كون لندن أحد أهم مراكز المال في العالم، وكذلك قدراتها المتقدمة في مجالات التعليم والتدريب، مضيفاً أن المملكة في تحقيق رؤيتها المستقبلية تحتاج إلى الخبرات البريطانية المختلفة والمتعددة.
وتابع العنقري: “بريطانيا يمكنها المساهمة في تحقيق رؤية 2030 في عدة مجالات؛ مثل الصناعات البتروكيماوية والدوائية والدفاعية، وكذلك في الخدمات كالمالية والسياحة وأيضاً في التعليم والتأهيل، حيث تستثمر كبرى الشركات البريطانية في السوق السعودية، فيما يشكل خروجها من الاتحاد الأوروبي فرصة لنقل وتوطين التقنيات الرائدة في المملكة”. ومضى قائلاً: “هناك تعاون وشراكات كبيرة قائمة بالفعل نابعة من العلاقات الاستراتيجية القوية بين البلدين، وهما من أكبر الدول التي بينهما تبادل تجاري”، موضحاً أن “بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي تبحث عن تعزيز دورها ككيان مستقل، وهي بذلك تشكل فرصة لنقل التقنيات والخبرات إلى المملكة بشكل أسرع بما يتيح الاستفادة منها في تحقيق رؤية 2030”.
وأوضح العنقري، أن “الإصلاحات التي تشهدها المملكة ستساعد على زيادة حجم الاستثمارات البريطانية، حيث تدرك بريطانيا جيداً إمكانات وحجم السوق السعودية نظراً إلى الشراكة العريقة بين البلدين؛ وبالتالي لن تكون هناك صعوبة في رفع حجم التبادل وجذب الاستثمارات، خصوصا بعد التعريف بالتحولات والإصلاحات الجارية في المملكة”.
يشار الى ان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عبرت خلال لقائها بسمو ولي العهد عن الدعم البريطاني القوي لرؤية 2030، ووصفتها بأنها خطة طموحة لإصلاحات داخلية تهدف إلى خلق اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي.
وقالت: إنها أساسية لضمان استقرار المملكة ونجاحها على المدى الطويل.
يشار إلى أن حجم التجارة بين المملكة وبريطانيا يتراوح بين 8 ، و10 مليارات جنيه إسترليني، فيما تعمل أكثر من مئتي شركة بريطانية في المملكة، في حين يبلغ عدد الشركات البريطانية المتعاملة مع السوق السعودية أكثر من ستة آلاف شركة. كما قالت وزارة الخارجية البريطانية في تقرير على موقعها الرسمي أمس الأول: إن المملكة هي أكبر شريك تجاري لبريطانيا في الشرق الأوسط.
وكان منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي – البريطاني، قد انطلق أمس الأول بحضور مئات من رجال الأعمال من البلدين.
وتحدث وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح، عن الشراكة الاستراتيجية بين المملكة وبريطانيا، كاشفاً عن ثماني شراكات استراتيجية بين الجانبين، لتكون بريطانيا الدولة الثالثة التي تتعامل مع المملكة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
واستعرض الفالح النمو الكبير المتوقع في قطاعات مثل التعدين بنحو أربعة أضعاف ما هو عليه اليوم، وكذلك في قطاعات الطاقة المتجددة والبتروكيماويات والأدوية. كذلك تناول وزير الاقتصاد والتخطيط محمد التويجري أبرز التغيرات الجوهرية في المملكة، ومستقبل رؤية 2030.
وخلال المنتدى، قال المشرف العام على صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان: إن المملكة لديها منظومة من الشركات قادرة على إدارة مشاريع عملاقة، مؤكداً الانتقال من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ. فيما أوضح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية المهندس أمين الناصر، أن التحضيرات للطرح العام للشركة ستكتمل في النصف الثاني من العام الجاري، وذكر أن إنتاج المملكة من الغاز سيتضاعف إلى 23 مليار قدم مكعبة بحلول عام 2030.
من جانبه أشار الرئيس التنفيذي لمشروع “نيوم” الدكتور كلاوس كلينفيلد إلى أن المشروع سيضم 500 كيلومتر من السواحل على البحر الأحمر، فيما يمكن لنحو 75% من سكان العالم الوصول إلى مدينة نيوم خلال أقل من ثماني ساعات طيران.
بدوره، أبان الرئيس التنفيذي لمشروع “القدية” جيم ريد أندرسون، أن تكلفة المشاريع في منطقة الشرق الأوسط بلغت 1.3 تريليون دولار، نصفها تم ضخه في المملكة. وكان ضمن المتحدثين أيضاً مبعوث الحكومة البريطانية الخاص لرؤية 2030 كين كوستا والمفوض التجاري السابق للاتحاد الأوروبي بيتر ماندلسن.
وكانت المملكة وبريطانيا قد وقعتا 18 اتفاقية اقتصادية بقيمة 7.78 مليار ريال شملت مجالات: الصحة والاستثمار والابتكار والطاقة. وجاء ضمن الاتفاقيات، واحدة للاستثمار في مراكز الرعاية الصحية بالمملكة بقيمة ملياري ريال، وأخرى بين الهيئة العامة للاستثمار ووزارة التجارة الخارجية البريطانية.
كذلك وقعت شركة أرامكو مذكرة تفاهم مع شركة رويال داتش شل، حيث تشمل تطوير مشاريع في قطاع المنبع وأنشطة تسييل الغاز. وحصلت شركة الأدوية البريطانية “أسترا زينيكا” على رخصة للاستثمار في السوق السعودية، كما منحت الهيئة العامة للاستثمار عشر رخص لشركات بريطانية للاستثمار في المملكة.