حيدر إدريس عبد الحميد
كلما مر بنا عيد من الأعياد .. أجد نفسي ومن حولي نعيش ذات النسق المتكرر .. فأيامه تنقضي خاطفة .. دون أن ندري بها أو نفرح لمقدمها .. وحتى صغارنا – فلذات أكبادنا – تموت الفرحة على شفاههم , ولا نراهم يفرحون به كما كان الصغار أيام زمان .
مساكين أولئك الأطفال عندما يسلبهم هذا العالم فرحتهم , ويقف أمام سعادتهم في أحلى مراحل عمرهم , وكأنه ينقلهم إلى حيزٍ زمني يفوق أجسادهم الغضة , وملامحهم البريئة .. ويدفعهم إلى مشاركة الكبار خصامهم , وعراكهم في مرحلة لم يتأهلوا بعد لها .
إن أقصى تصورٍ لقسوةِ هذا الزمن , لم تكن ترى أن تصلَ وحشيةُ الإنسان حدّ اختطافِ الفرحة من عيون الصغار .. وسرقة العيد من بين أصابع أولئك الذين يأتي العيد من أجلهم .
ليس هذا وحسب ..
بل لقد وصلت وحشية هذا العصر درجة قيام مواجهة حقيقية مع الأطفال , في ميادين الحرب والاقتتال والتطاحن ، فاختلطت رائحة البارود بالتراب المعطر بدمائهم الزكية .
** نقول ذلك ونحن في ذات اللحظة نتساءل بمرارة .. لماذا صار العيد يجيء – في أكثر من مرة – ويذهب .. دون أن ندري به .. هل لأنه صار يحلُّ في مواسم حصاد الأطفال ..
بعد أن تحول الغول الخرافي الذي كانت ترويه الجدات في حكايات الليل , إلى حقيقة تلتهم الصغار بشهية ” سكان الغابة ” ..
وليس ثمة تفسيرٌ للحظات العصر المخيفة , التي صرنا نعيشها اليوم غير انتكاسة حقيقية للقيم , وتجرد صارخ من المفهوم الإنساني والحضاري للحياة .. بل ربما كان انسلاخاً كاملاً من الذات الشفافة التي كان عليها الأولون , بلغ بها الحال مرحلة التردي إلى قاع الوحل ..
فضاعت الكثير من القيم الرفيعة للنفس البشرية .. وأصبحت الذوات الشريرة تمارس لغة الغاب في دنيا الناس تحت شمس النهار , دونما ذرة من خجل أو وجل .
مَن كان في وجدانه شيءٌ من بقايا ضمير .. وشيءٌ من حلم الطفولة .. لا بد أن يندلق الدمع من عينيه مرتين ..
مرة على حضارة هذا العصر السائرة في درب المجهول ..
ومرة أخرى على أطفال كثيرين فوق هذا الكوكب , كلما استعدوا للعيد حُرموا منه .. وحرمونا معهم من نعمة شراء الحلوى لهم .
هل ثمة أشدُ علقماً من حياة تنتزع الحلوى من أفواه الأطفال .. من عالم يلغي ثياب العيد للصغار , ويستبدلها بـ (وجبة ) من الأحزان , يغرسها بكل جسارة داخل قلوبهم البيضاء ؟ .
إن أعداء الأطفال .. هم أعداء الإنسانية والحضارة.