حيدر إدريس عبدالحميد
الناس في زماننا هذا يتزاحمون على كل شيء وفي الماضي كانوا يتزاحمون على بعضهم البعض أي يلصقون منازلهم حتى يكاد لا يفصلها عن بعضها إلا زقاق أو شارع ضيق.. هكذا كانوا ربما لقلة أعدادهم وربما لخوفهم من الغزاة والغرباء في وقت كان المغامرون يجوبون البحار والفيافي بحثاً عن الخيرات والموارد ولهذا كانت أفريقيا هدفاً لهم.
المهم أن القدماء خلفوا لنا مدناً في غاية الروعة ينطق كل حجر فيها ولبنة بحكايات لا تنتهي.. هكذا كانت جدة القديمة بمبانيها وحجارتها ورواشينها.. كنز لا يمكن التفريط فيه .. مثلما كانت المدن القديمة في أوروبا مثلاً والتي تحولت إلى هدف مفضل للسائحين بعد أن حافظ عليها الأحفاد وأضفوا عليها روحاً إنسانية تستقبل كل زائر وكل ضيف بعد أن رحل الاستعمار بكل مساوئه وإن تحول إلى أشكال أخرى.
في مقابل جدة وعلى الساحل الغربي ترقد سواكن القديمة بمبانيها المتميزة ورواشينها ومساجدها كأنها توأم لمدينة جدة التاريخية وإن كان أهلها قد هجروها إلى الميناء الجديد العميق فأصبحت أطلالاً ولكنها دخلت إلى عالم اليونسكو والتراث العالمي.
كانت مدينة فيها إلى جانب أهلها الهنود والعرب وخاصة الحضارمة وقد ازدهرت كثيراً وأصبح لها صيت وما زال قصر الشناوي بغرفه التي يساوي عددها كل أيام السنة شامخاً يحكي تاريخ من سكنوا الديار..
ماتت سواكن بعد إنشاء ميناء بورتسودان ولكنها ظلت في الذاكرة حتى عهد قريب حيث أعيدت الروح لها بتحويل بواخر الركاب ومعظمهم من الحجاج والمعتمرين إليها إلى جانب بواخر المواشي وتم تعميق الميناء وإضافة مرابط جديدة له كما قامت إلى جانبها مدينة جديدة تحتوي على فنادق ومطاعم ومتاجر عامرة لأنها ارتبطت مرة أخرى بأختها جدة بوابة الحرمين الشريفين.
هي سواكن ملتقى قوافل الحجيج من السودان ومن غرب أفريقيا حتى المحيط الأطلسي حيث كنا نسمع أنهم كانوا يأتون رجالاً وعلى كل ضامر قبل الطائرات والسكك الحديد وكان بعض هؤلاء الأفارقة من الحجيج من الذين لم يتيسر لهم جمع المال اللازم لأداء الفريضة يعملون في السودان وبخاصة في مشروع الجزيرة (في لقيط القطن) حتى إذا توفر لهم ما يبتغون غادروا إلى سواكن في طريق رحلتهم الخالدة.
وعند العودة من الديار المقدسة طاب لكثير منهم الاستقرار في السودان وأصبح وطناً لهم.
ومن جدة بوابة الحرمين الشريفين ومقصد هذه القوافل في طريقها إلى المشاعر المقدسة وإليها يمتد تاريخ طويل من الدروب والقرى والمدن .. وتاريخ الأمة لا يمحى..
وسواكن القديمة يعاد ترميمها الآن لأنها كنز لا يمكن التفريط فيه .. وكذلك كل المواقع التاريخية.