الأرشيف دولية

أوباما والصومال .. معركة من نوع مختلف

محمد إبراهيم عبدي
كانت الصومال خلال العقدين الماضيين واحدة من أكثر مناطق المواجهة مع أمريكا؛ فما أن تهدأ الأمور قليلا حتى يعود التوتر مرة أخرى. وقد استخدمت واشنطن كل الأساليب السياسية والعسكرية في الصومال في هذين العقدين، فتدخلت عسكريا وبصورة مباشرة في الصومال تحت مظلة الأمم المتحدة عام 1992 وباءت بالفشل وخلفت تلك الهزيمة آثارا بعيدة المدى على سياستها الخارجية، أدى إلى تخليها عن سياسة التدخل العسكري المباشر في المناطق الملتهبة من العالم. وجربت الأسلوب المخابراتي بعد تفجير سفارتيها في كل من دار السلام ونيروبي عام 1998، وانتهجت بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001-بالإضافة إلى العمل المخابراتي– أسلوب الحرب بالوكالة عبر استخدامها أمراء الحرب السابقين في مقديشو وإثيوبيا منذ نهاية عام 2006 للإطاحة بالمحاكم الإسلامية.وبعد تغيير إدارة بوش الجمهورية اليمينية في أمريكا وقدوم إدارة أوباما الديمقراطية، والحديث عن تغيير سياسة بوش السابقة وانسحاب القوات الإثيوبية من الصومال وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جزءا من المحاكم الإسلامية سابقا، وتضييق الخناق على الحكومة الانتقالية من جانب حركة الشباب والحزب الإسلامي، وفشل كل الترتيبات التي اتخذتها واشنطن لمحاربة من تسميهم بالجماعات الإرهابية…إلخ، يطرح الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن الصومالي عدة أسئلة أهمها: هل ستسمح واشنطن لتلك الجماعات بالإطاحة بالحكومة الشرعية (المعتدلة)؟ أم ستكون هناك مواجهات جديدة بين واشنطن والجماعات الإسلامية في الصومال؟ وهل ستكون الحرب في هذه المرة بالوكالة كما حدث في السابق أم ستدخل واشنطن مباشرة في المعارك؟ وهل ستعود إثيوبيا إلى الصومال؟ وهل يختلف التدخل الجديد في الصومال عن السابق؟.
التحديات الراهنة أمام واشنطن
ويمكن القول إن ثمة تحديات تواجه واشنطن في الصومال، أبرزها:ـ
أولا: تحدي القاعدة: رغم كل الجهود التي بذلتها واشنطن في العقد الماضي للقضاء على تنظيم القاعدة الارهابي والجماعات المرتبطة معها، فان حركة الشباب المجاهدين في الصومال، والتي كانت جزءا من تحالف اتحاد المحاكم الإسلامية سابقا، استطاعت أن توسع نفوذها في البلاد وتسيطر على مناطق إستراتيجية تشمل ميناء كسمايو في الجنوب (ثالث أكبر موانئ الصومال) ومدينة بيدوا مقر الحكومة الانتقالية السابقة وأجزاء من العاصمة. وتواصل الحركة بصورة دراماتيكية توسيع رقعة سيطرتها. وتمثل حاليا- إضافة إلى الجماعات الأخرى المتحالفة معها- أقوى جبهة معارضة للحكومة الحالية بل وأكبر مهدد لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة والمعارضة للجهود الدولية والإقليمية.
وتكمن مخاوف واشنطن أيضا من الحركة في انضمام عناصر أجنبية إلى صفوفها، والذين يزدادون بمرور الزمن إذ تقدرهم بعض الأطراف بما يقارب ألفا، وإمكانية أن يكون من تلك الأعداد قيادات في تنظيم القاعدة؛ فبعد قرار إدارة أوباما نقل معظم القوات الأمريكية من العراق إلى أفغانستان وما تبعه من عمليات عسكرية في وادي سوات ووزيرستان ضد طالبان باكستان، والتنسيق العسكري بين الطرفين، تتخوف الإدارة الأمريكية من أن تصبح الصومال المكان الوحيد في العالم الذي يجد فيه تنظيم القاعدة ملجأ آمنا لقياداته، وقاعدة للانطلاق نحو استهداف المصالح الأمريكية في العالم؛ مما يشير إلى أن الصومال سيكون حتما ساحة المواجهة التالية بين واشنطن وتنظيم القاعدة بعد انتهاء العمليات الجارية في باكستان حاليا، وتمثل تلك القضية التحدي الأكبر لواشنطن في الصومال.
ثانيا: الدول المارقة في المنطقة: ليست حركة الشباب فقط هي التحدي الوحيد للجهود الدولية التي تتزعمها واشنطن، وإنما هنالك بعض القوى الإقليمية المعارضة لها، فإريتريا التي هي من دول القرن الإفريقي لديها علاقات متوترة مع واشنطن ومع إثيوبيا حليفتها في المنطقة.

وكانت إريتريا تدعم اتحاد المحاكم الإسلامية ثم تحالف إعادة تحرير الصومال منذ إنشائه في عاصمتها أسمرة، وبعد انشقاق التحالف إلى جناحين عارضت جهود المصالحة والوساطة التي قامت بها حكومة جيبوتي برعاية من الأمم المتحدة، وهي العملية التي انتهت بتوقيع الاتفاقية بين الحكومة الانتقالية وتحالف إعادة تحرير الصومال (جناح جيبوتي) التي قادها الشيخ شريف وتمخضت عنها الحكومة الحالية. ولا تعترف إريتريا بالحكومة الانتقالية الصومالية، وتقوم بدلا من ذلك بدعم المعارضة الإسلامية التي تسعى للإطاحة بالحكومة. وتعتبر الصومال بالنسبة لإريتريا ساحة من ساحات المواجهة مع إثيوبيا. وتمثل سياسة إريتريا تجاه الصومال أحد التحديات الإقليمية التي تواجهها واشنطن حاليا.
ثالثا: الصوماليون الأمريكيون: رغم التوترات التي سادت بين أمريكا والصومال عموما في العقدين الماضيين، فإن أمريكا تعد من أكبر البلدان في العالم التي تستقبل اللاجئين الصوماليين، ويقدر عدد اللاجئين الصوماليين في الولايات المتحدة بحوالي 100 ألف شخص، وتقوم هذه الجالية بتحويل مئات الملايين من الدولارات سنويا من أمريكا إلى الصومال. وتثير السياسات الأمريكية الخاطئة تجاه الصومال حفيظة الصوماليين الأمريكيين، ويرى هؤلاء أن الاحتلال الإثيوبي للصومال في عام 2006 بدعم أمريكي كان من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن في الصومال خلال السنوات الماضية.
وقد دفعت تلك الأخطاء ببعض الشباب الصوماليين الذين يحملون الجنسية الأمريكية العودة إلى الصومال والانضمام إلى حركة الشباب المجاهدين والجماعات الإسلامية الأخرى المناهضة لواشنطن. فقد أقلقت عودة طالب صومالي عمره 27 عاما في العام الماضي من أمريكا وتفجير نفسه في الصومال السلطات الأمريكية. ورغم قلة أعداد الصوماليين الأمريكيين الذين انضموا إلى صفوف حركة الشباب المجاهدين، إلا أن خطورة تلك القضية تكمن في تخوف واشنطن من أن يشارك هؤلاء الشباب في تخطيط عمليات موجهة إلى داخل أمريكا.
رابعا: القرصنة: إذا كانت أمريكا واجهت صعوبات في تعاطيها مع الملف الصومالي على المستوى السياسي والأمني، فهي تواجه كذلك معضلة في التعامل مع مشكلة المياه الصومالية أو ما يطلق عليه حاليا القرصنة البحرية التي أضافت بعدا دوليا جديدا للقضية الصومالية، وأثرت على حركة التجارة الدولية التي تمر قبالة السواحل لصومالية وخصوصا في السنتين الماضيتين.
وكانت أمريكا غير جادة في البداية في أن تأخذ على عاتقها مسئولية مكافحة القرصنة في السواحل الصومالية لأن المشكلة لم تكن تشكل خطورة مباشرة على واشنطن، ويبدو أن واشنطن لم تكن أيضا تريد أن تحمل على كاهلها عبء تلك المهمة بمفردها نيابة عن الآخرين ودون مقابل، لأن الدول المتضررة من القرصنة لم تساعد بدورها أمريكا في حربها ضد ما تسميه \"الإرهاب\". لكن اشتداد عمليات القرصنة منذ النصف الثاني من العام الماضي وتعرض السفن الأمريكية مباشرة للتهديد قد دفع واشنطن إلى الاضطلاع بدور أكبر في تلك القضية.
ومن جانب آخر، فإن واشنطن كانت تركز فقط على التأكد من أن الأموال التي يحصلها القراصنة الصوماليون لا تذهب إلى الجماعات التي تتهمها بالإرهاب، كما تتخوف أيضا من إمكانية سيطرة تلك الجماعات على السواحل التي ينشط فيها القراصنة ودخولها في العملية بصورة مباشرة.
التحركات الأمريكية الجارية
ووفقا لهذه التحديات، تتحرك إدارة أوباما تجاه الصومال على صعيد سياسي وآخر عسكري – أمني وثالث إقليمي.على الصعيد السياسي، وبعد أن تبين لواشنطن أنه لا يمكن الاعتماد فقط على الحكومة الانتقالية التي يتزعمها الشيخ شريف شيخ أحمد في التغلب على المعضلات السياسية في البلاد ومواجهة حركة الشباب المجاهدين وتنفيذ مطالب واشنطن المتمثلة في ألا تكون الصومال مأوى للقاعدة والتزام الضمانات الأخرى التي قدمتها للأطراف الإقليمية وللمجتمع الدولي عموما، فان الإدارة الأمريكية الجديدة بدأت بخطوات سياسية لمواجهة الموقف في الصومال.وتعكف إدارة أوباما حاليا على إعداد إستراتيجية متكاملة تجاه الأزمة الصومالية، وقد كلف مجلس الأمن القومي الأمريكي ثلاث دوائر في الحكومة الفيدرالية لإعداد تلك الإستراتيجية وتقديمها إلى المجلس في غضون مدة تتراوح بين 30-60 يوما، والدوائر الثلاث هي: وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وستكون الإستراتيجية جاهزة في شهر يوليو القادم.وإلى حين إعداد تلك الإستراتيجية، فإن الإدارة الحالية بدأت بعدة خطوات سياسية تجاه الصومال، من بينها الإعلان عن انتهاج أسلوب جديد في التعامل مع الملف الصومالي يختلف عن أسلوب إدارة بوش، ومحاولة إعطاء رجل الشارع الصومالي العادي انطباعا إيجابيا عن نوايا أمريكا تجاه بلاده. وتشمل تلك السياسة جوانب سياسية ودبلوماسية ومخابراتية، ولا تعتمد فقط على العمل العسكري الذي جلب الويلات للشعب الصومالي ولأمريكا أيضا وللمنطقة ككل. وتجري كذلك محاولات لإرسال مبعوث خاص إلى الصومال، كما تم في مايو الماضي تعيين مساعد لوزيرة الخارجية الأمريكية للشئون الإفريقية هو \"جوني كارسون\" الذي يتمتع بخبرة عملية كبيرة في شرق إفريقيا، كما بدأت إدارة أوباما تنشيط مجموعة الاتصال الدولية المعنية بالصومال.وعلى الصعيد العسكري، تسير الترتيبات العسكرية الأمريكية متوازية مع التحركات السياسية الجارية حاليا. فإضافة إلى مساهماتها في السنوات السابقة في ميزانية قوات الاتحاد الإفريقي للسلام (أميصوم) التي بلغت 135 مليون دولار، فإن واشنطن تشجع الدول الإفريقية على إرسال المزيد من القوات إلى الصومال، وأعربت الإدارة الأمريكية الجديدة استعدادها لتدريب القوات الصومالية مستقبلا.تجدر الإشارة إلى أن القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) قد دربت في السنوات الماضية 10 آلاف جندي إفريقي من قوات حفظ السلام الإفريقية يعمل بعض منهم في الصومال حاليا. وعقد في واشنطن في يونيو الجاري اجتماعا ضم قيادات سابقة في الجيش الصومالي وشخصيات معنية بالملف الصومالي في الإدارة الأمريكية الجديدة.
واعترفت أمريكا بإمداد الحكومة الصومالية بالسلاح لمواجهة حركة الشباب، وأشارت بعض المصادر بأن بعض شركات الأمن الخاصة ومنها شركة (بلاك ووتر) الأمريكية الشهيرة دخلت على الخط وقدمت مساعدات عسكرية للحكومة الصومالية، وأنها سوف تشارك في العملية العسكرية التي يتم ترتيبها حاليا. وتشير هذه التحركات كلها إلى ترتيبات عسكرية أمريكية إقليمية ودولية لمواجهة جديدة بين واشنطن والجماعات الصومالية المرتبطة بالقاعدة.وعلى الصعيد الإقليمي، تمارس واشنطن ضغوطا على إريتريا، حيث أعربت أكثر من مرة عن قلقها حيال تقارير تفيد بأن أسمرة تمد من تسميهم بالمتشددين الإسلاميين ومقاتلين أجانب في الصومال بالسلاح لإسقاط الحكومة الحالية، وجاء ذلك بعد اتهامات من جانب الاتحاد الإفريقي لإريتريا بزعزعة الاستقرار في الصومال والتهديد بتعليق عضويتها في الاتحاد وكذلك مطالبات لمجلس الأمن الدولي بالتحقيق في التقارير التي تشير بدعم إريتريا للمعارضة الإسلامية في الصومال والتأكد من صحتها؛ وهو ما يشير إلى تصاعد التوتر بين إريتريا وواشنطن في المرحلة المقبلة، والتي يمكن أن تتطور إلى فرض عقوبات مشددة عليها واعتبارها دولة مارقة.
السيناريو القادم
وعلى الرغم من تعدد التحديات في الصومال، إلا أنه من المرجح أن لا تتدخل واشنطن عسكريا وبصورة مباشرة في الصومال؛ استنادا إلى تجربتها السابقة في عملية إعادة الأمل في الصومال التي أهين خلالها الجنود الأمريكيين في شوارع مقديشو.وبدلا من ذلك سوف تقوم بضربات جوية لمساعدة الأطراف الموجودة على الأرض أو إنزال جوي لقوات خاصة بها في عمليات متفرقة في الصومال إذا ما تأكدت من وجود بعض الأشخاص المطلوبة لديها في منطقة معينة.وبالطبع سوف تقوم واشنطن بالتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن الصومالي في دعم الحكومة الحالية عسكريا وسياسيا وماليا لبقائها، وعدم السماح للجماعات المناوئة لها بالسيطرة مرة أخرى على البلاد كما حدث في عام 2006.وسواء تدخلت أمريكا أم لم تتدخل، أو صمدت الحكومة في وجه حركة الشباب أم انهارت؛ فإن الشيء الوحيد المؤكد هو أن الشعب الصومال الذي بات حقلا للتجارب السياسية والعسكرية وساحة للنزاع الداخلي على الحكم بين أبنائه وصراع المصالح بين القوى الإقليمية والدولية على أرضه خلال العقدين الماضيين سيكون الضحية الأولى والأخيرة في كل الأحوال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *