مقالات الزملاء

أمـــي

شاكر عبدالعزيز
كلما جاء شهر مارس من كل عام واقترب من يوم 21 من هذا الشهر تذكرت على الفور أمي الغالية التي فارقتني قبل اكثر من عشرين عاماً من الآن.
لقد صنعت هذه الام الغالية فصولا من المحبة والاخلاص والتفاني في خدمة ابنائها لا يمكن ان ننساها طوال العمر.. وكلما استمعت الى اغنية فايز احمد الشهير “ست الحبايب يا حبيبة” يا أغلى من نوري وعيني” تأكدت ان الأم هي فعلاً أغلى من نور عيني .. وقصة أمي يجب ان تروى ليعرف جيل اليوم كيف كانت امهاتنا “فأمي العظيمة” شرقاوية أمية لا تقرأ ولا تكتب ولكنها تتمتع بذكاء اجتماعي غريب استطاعت ان تخوض مع ابي وهما (من قرية واحدة في قرى الشرقية) غمار الحياة لتربية الابناء بكل شرف وامانة في ظل ظروف بالغة القسوة وتخُرج الى الحياة ستة من الابناء ثلاثة من الذكور ومثلهم من الاثاث واربعة منهم جامعيون .. على الرغم من ان الأب كان من البداية (موظفاً في الخاصة الملكية) في انشاص ولكنه كان يحمل الابتدائية القديمة ويتمتع بخط بديع ويعمل وفق الكلمات التركية التي كانت سائدة في مصر في هذا العهد “باشكاتب الخاصة الملكية” في قرية انشاص النموذجية وهي احدى القرى التي حظيت باهتمام الملك فاروق لدرجة انه دعا اليها ملوك ورؤساء الدول العربية عام 1945 للإعداد للدعوة لإنشاء جامعة الدول العربية وبذلك كانت هذه القرية الجميلة “انشاص” اول بلد تعقد فيها قمة عربية قبل حوالي سبعين عاماً.
أعود فأقول في هذه القرية الجميلة عشنا في منزل خصصته لنا حكومة جلالة الملك فاروق وفيها ولدت انا وعدد من اخواتي.
كانت أمي البسيطة الماهرة “ست مدبرة” العيش يتم عمله (في مخبز البيت) عن طريق سيدة تعمل في صناعته واعداده كل اسبوع مرة وكان المنزل دائماً مليئا بالخير الوفير من الفاكهة البرتقال – المانجو – اليوسفي وانشاص بلد الفواكه وايضا الالبان حيث ابقار الحكومة تقدم لنا كل ليلة كميات من اللبن “الفرش الطازج” الحياة كانت سهلة والناس شديدة الاقتراب من بعضها البعض ويحبون بعضهم البعض كأنهم “اخوات أو أكثر” .. مات ابي بعد ان اوصلني الى منتصف الطريق والحقني بوظيفة مساعد محاسب في اخبار اليوم الصحفية وتحملت امي الصبورة كل المسؤولية بعد ذلك وتحملتها بجانبها وكان عليّ ان اعطيها راتبي الشهري بعد خصم مبلغ بسيط كمصاريف شخصية لي .. وقامت هي بكل ما تتطلبه دراسة اخوتي البنات ومصاريف اخي الاصغر في الجامعة (الصحفي حمدي عبدالعزيز) رحمه الله. تحملت المسؤولية بشجاعة وظلت تلبس الملابس السوداء على زوجها حسب عادات اهل الريف في مصر لمدة عشرة سنوات وعندما جئت للعمل بالمملكة جاءت لزيارتي ونوت الحج والعمرة واقنعها جميع اولادها لاانه من الضروري تلبس (ملابس بيضاء) لتأدية مناسك الحج والعمرة ووافقت على ذلك وخلعت الملابس السوداء التي ارتدتها بعد وفاة زوجها حوالي (عشر سنوات) هكذا هي (أمي) الحنون التي وقفت بجانبي ليل نهار لاكمل دراستي الجامعية واترك العمل المحاسبي والتحق بالعمل الصحفي بأخبار اليوم وهو حلم حياتي التي عشت له طوال عمري.. وها هي تطالعني كل يوم بدعائها الذي لم انساه طوال عمري “ربنا يحبب فيك خلقه” أم حنونه بشوشه ظلت لفترة طويلة (على فراش المرض) ونحن جميعاً أنا وكل اولادها نقف على خدمتها وهي تدعو لنا رحمك الله يا أمي الغالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *