اعداد: محمد جبرون
ما بين الفينة والأخرى نتلقى أخبارا عبر وسائل إعلام عربية وأجنبية عن تفكيك خلايا وتنظيمات إرهابية في إسبانيا، واعتقالات هنا وهناك. وبغض النظر عن حقيقة هذه التنظيمات الإسلامية المتشددة وحجمها، فإنها تجعل المتلقي -سواء كان مسلما أو غير ذلك- يعتقد أن العمل الإسلامي في إسبانيا يقتصر على مجموعة من التنظيمات الهامشية والمتطرفة، التي شغلها الشاغل هو كيفية الانتقام من الغرب، والقيام بعمليات تخريبية، غير أن الواقع خلاف ذلك تماما، فهذه التنظيمات هي بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، وهي ضعيفة جدا مقارنة مع التيار الإسلامي الغالب. وهذا المقال هو محاولة لتقديم صورة تركيبية ومتكاملة عن النشاط الإسلامي الحديث في إسبانيا مع التركيز على تيار الاعتدال والتوسط.
المسلمون في إسبانيا
يبلغ عدد المسلمين في إسبانيا حوالي مليون ونصف المليون مسلم، أغلبهم من أصول مغاربية، ويعتبر هذا العدد كبيرا مقارنة بعدد المسلمين في الكثير من الدول الأوروبية. وتقدر بعض الإحصاءات المسلمين من أصل إسباني أي الذين اعتنقوا الإسلام حديثا بحوالي 50 ألف مسلم، من أشهرهم منصور إسكوديرو ((Mansur Escudero رئيس المجلس الإسلامي في إسبانيا (Junta Islamica).
تيارات الحركة الإسلامية
ظهرت أولى التنظيمات الإسلامية في المجال السياسي الإسباني بعد صدور قانون 1967، الذي يعد أول قانون سمح للمسلمين بتأسيس الجمعيات، حيث ظهرت أول جمعية إسلامية محلية في السنة الموالية لصدور هذا القانون(1968) في مدينة مليلية المغربية المحتلة، ثم تأسست بعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ (1971) \"الجمعية الإسلامية\" في العاصمة مدريد برئاسة الطبيب السوري رياض الططري. وازداد عدد الجمعيات الإسلامية المسجلة في سجل الهيئات الدينية لدى وزارة العدل الإسبانية أواخر عقد السبعينيات من القرن الماضي، حيث فاق 40 جمعية. وتزامن هذا التوسع الإسلامي مع نهاية حقبة الديكتاتورية في إسبانيا التي امتدت من 1939 إلى 1975، بقيادة الجنرال فرانكو، وصدور دستور جديد سنة 1978 يؤسس لدولة الحقوق، ويضمن الحرية الدينية.وسيزداد عدد الجمعيات الإسلامية بشكل ملحوظ في عقد الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وفي كافة الأقاليم الإسبانية. وانتظمت هذه الجمعيات في فيدراليتين كبيرتين تضم حسب وزارة العدل الإسبانية 539 جمعية إسلامية، موزعة على كافة التراب الإسباني:
– فيدرالية الهيئات الدينية الإسلامية المعروفة اختصارا ب( Feeri)، وتأسست سنة 1989م، والتي سبق أن رأسها منصور إسكوديرو رئيس المجلس الإسلامي في قرطبة، و\"فليكس هريرو\" رئيس جمعية أندلس مالقا، وكلاهما من المسلمين الجدد الذين اعتنقوا الإسلام حديثا، ويرأسها حاليا ذ. محمد علي البهلولي من مسلمي سبتة المحتلة. وتشكلت هذه الفيدرالية في البداية من 15 جمعية، في معظمها جمعيات المسلمين الجدد الإسبان.
– اتحاد المنظمات الإسلامية الإسبانية والمعروف اختصارا ب (Ucide)، وتأسست سنة 1990م، وتشكلت في البداية من 7 هيئات، ووصل عدد الهيئات المنضوية تحتها 194 سنة 2006. ويرأسها إلى يومنا هذا السوري الحامل للجنسية الإسبانية رياض الططري.
ويشكل كل من \"اتحاد المنظمات الإسلامية و\"فيدرالية الهيآت الدينية\" \"لجنة مسلمي إسبانيا\"، التي تعتبر الممثل الرسمي للمسلمين أمام الحكومة الإسبانية.
وتوجد بعض التشكيلات الدينية الإسلامية على هامش هذين القطبين (اتحاد المنظمات وفيدرالية الهيئات الدينية) غير أنها ضعيفة الأهمية والتأثير، خاصة على المستوى السياسي والإعلامي، وفي مقدمتها فيدرالية مسلمي إسبانيا (Feme)، وتضم لفيفا من الجمعيات الإسلامية المنتمية إلى أقاليم مختلفة من إسبانيا.
والجدير بالذكر في هذا السياق، أن الفضل في تأسيس هاتين الفيدراليتين (اتحاد المنظمات وفيدرالية الهيئات الدينية) يرجع إلى السلطات الإسبانية، التي دفعت الجمعيات المحلية الإسلامية إلى التوحد والانتظام في إطار جامع تكون له مشروعية تمثيل المسلمين أمام الحكومة الإسبانية، وشريكا لها كفؤا في الحوار حول قضاياهم، وذلك على غرار الأقلية الدينية اليهودية والبروتستانتية. ولم تكتف السلطات الإسبانية بهذا بل طالبت المسلمين مرة أخرى بإفراز ممثل وحيد، وهو ما تحقق من خلال \"لجنة مسلمي إسبانيا\" (CIE)، التي ظهرت في فبراير من سنة 1992، ومثلت المسلمين في الحوار مع الحكومة الإسبانية، ولا زالت ممثلهم الشرعي والوحيد إلى اليوم.