أرشيف صحيفة البلاد

أسسه (الزبن والكسيح) في الزمن الجميل.. المتنزه .. عبق الزمان وعطر حارة الشام

نزيه حسن علي السيد

كان درة زمانه..
وسابق عصره وأوانه ..
كان تحفة فنية في تصميمه.. وتنسيقه..
رائعا ومبهجا في موقعه وإطلالاته..
كان باختصار ايقونة عطر تفوح بالسعادة والجمال..

أسسه في منتصف السبعينات الهجرية تقريبا اثنان من اخوتنا من أبناء فلسطين هما:الزبن والكسيح..وكانا تاجرين في الأخشاب ومواد البناء.. يقع المنتزه في نطاق حارة الشام بجده.. وفي الجانب الغربي لشارع الملك عبد العزيز بعد فندق قصر البحر الأحمر مباشرة للمتجه

جنوبا.. وتشغل موقعه الآن عمائر الصالحية (الفيصلية سابقا)..وهو مواجه من شرقه لبيت وجيه جدة الكبير المرحوم الشيخ محمد الطويل ولمبني القنصلية الفرنسية (بيت فرنسا) وبيت المرحوم الشيخ عبدالله خشعان شيخ صيارفة جده.

في بداية مدخل المنتزه ممر واسع.. وعلي يمينك قسم الحلويات الشرقية ويشمل انواعا فاخرة من الحلويات الشرقية والآيسكريم الفاخر المصنوع من أرقي أنواع اللبن والفواكه والمستكه.. وكلها انواع متميزة ولا مثيل لها في ذلك الزمن ، حيث كان يعمل على صناعتها اخوة سوريون.. وكان يمكنك الحصول على أي من تلك الأصناف بأسعار أقل اذا رغبت في تناولها خارج الكازينو.

تتقدم بضع خطوات فتجد علي يسارك طاولة محاسب تذاكر الدخول..تأخذ منه العدد الذي تحتاجه انت ومرافقيك من التذاكر.. وتدفع ريالا واحدا للتذكرة الواحدة كحد ادني (مينيمم شارج) للطلبات في الكازينو.. ثم تسير نحو المدخل الرئيسي فتتسلل الي أذنيك من الإذاعة الداخلية احدي أحدث أغاني أرقي مطربي ومطربات ذلك العصر ..وكل عصر..أم كلثوم ،عبد الوهاب،حليم،نجاة ، فيروز،وغيرهم.. وتدخل الكازينو فأذابك تطل علي بانوراما رائعة وخرافية..بحيرات تتناثر بشكل بديع ..بعضها يتهادي البط علي سطح مياهها..وبعضها تتهادي عليها قوارب صغيرة تحمل صغارا تطفح وجوههم بالسعادة مستمتعين بركوبها ..

وتربط البحيرات جسور خشبية للمشاة.. أمامك ايضا وعلي الجوانب تستمتع بجمال النوافيرو الشلالات الملونة والمزروعات الجميلة ومختلف أنواع الدواجن والعصافير..وبين هذه المناظر الخلابة تتناثر طاولات ومقاعد الجلوس في ترتيب وتنسيق بديعين..واذا ما واصلت سيرك متجها غربا فهناك اجمل جلسات الكازينو المطلة علي بحر العروس مباشرة.

* بانوراما لأحلى الأوقات
ما أن تختار مكان جلوسك بين البحيرات أو علي البحر..تبدأ استمتاعك بتناول ما لذ وطاب من أرقي أنواع الآيسكريم والماكولات والمشروبات الباردة والساخنة.. وليس ذلك فحسب بل هناك مرسي يوجد به مجموعة من القوارب لمن يرغب القبام بنزهة بحرية..كما كان المنتزه يقدم لشباب جدة خدمة رياضية شواجتماعية كبيرة ..ففي الجزء الجنوبي أقام ملحقا خصص دوره الأرضي لتجهيز الطلبات.. وأقام في الدور الأول ناديا مكونا من صالات للعبتي تنس الطاولة وألعاب البلياردو.. وغيرها.

ويضم النادي تراسا يطل علي البحيرات والبحر كاستراحة للشباب..وكانت ممارسة اي لعبة بمقابل مادي قدره ريالان للساعة..كان هذا النادي ملتقي لصفوة شباب مدارس جدة كلها.. ليس صفوتهم جاها اولا مالا ..ولكن أدبا وعلما وخلقا.. حيث لا مشاحنات ولا مضاربات ولا كلمات نابية أوبذيئة..شباب في قمة الأدب والأخلاق رغم المنافسات الرياضية الساخنة بينهم ..بعد ممارسة الشباب لألعابهم المفضلة يستمتعون بالجلوس في التراس كمجموعات يتحدثون في مختلف شئونهم وشجونهم.. ولم يكن النادي قاصرا عل شباب المدارس..بل كثيرا مايرتاده بعض الأعلاميين والفنانين والمثقفين اما لممارسة بعض الألعاب او لمشاركة الشباب جلساتهم ونقاشاتهم الممتعة .

ان المنتزه كان بحق منتجعا راقيا و معلما بارزا من معالم جدة..وكان مهوي كل الجداويين بمختلف الوانهم.. كما كان يفد اليه أيضا كثير من أبناء المدن المجاورة كمكة المكرمة وغيرها..وخاصة في الأعياد والعطلات.

وبعد..لقد أصبح المنتزه ذكري بعد عين..وبكل الأسف والألم اقول انه لم يكتب لجدة ان تحظي بمثل ذلك المشروع الراقي الذي كان متنفسا لأهلها وشبابها..وللمدن المجاورة لها..ولعلي قد وفقت في التعريف به بشكل اكثر مايكون قربا للواقع وخاصة بالنسبة لكثير من الشباب الذين لم يعاصروا تلك الفترة.. وذلك الزمن الجميل.