طهران ــ وكالات
من عثرة إلى أخرى يتجه الاقتصاد الإيراني بخطى مرتبكة نحو الهاوية، مع بدء تطبيق الحزمة الأولى من العقوبات التي قررت واشنطن إعادة فرضها على إيران منتصف الأسبوع الحالي، على خلفية انسحاب الولايات المتحدة في 8 مايو الماضي من اتفاق القوى العالمية وطهران على فرض قيود على برنامج إيران النووي.
وفي رد فعل سريع تأثرت شتى جوانب الحياة الإيرانية خلال الأسبوع المنقضي بشكل سلبي، بداية من أسواق النقد وأسعار السلع إضافة إلى البنوك الإيرانية في الداخل والخارج.
فيما أعلنت المعارضة الإيرانية تفاصيل جديدة حول هجوم إرهابي خطط له النظام الإيراني لاستهداف مؤتمر حاشد بباريس نهاية يونيو الماضي، قبل أن تحبطه أجهزة الأمن الأوروبية.
وذكر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في بيان حصلت (البلاد) على نسخة منه، أنه حصل معلومات جديدة بأدلة ومن مصادر موثوق بها من داخل النظام في إيران حول المخطط الإرهابي للملالي، وأيضا بشأن الدبلوماسي الإيراني المعتقل في تلك القضية، وكان يعمل بالسفارة الإيرانية في فيينا، وعلى صلة بالاستخبارات الإيرانية.
وأضاف البيان أن محامين بلجيكيين وأوروبيين بارزين سيعلنون نقاطاً جديدة حول مخطط إيران الإرهابي الذي جرى إحباطه مؤخرا في أوروبا، من بينهم المحامي البلجيكي جورج هنري بيوتيير، والمحامي الفرنسي والناشط في قضايا حقوق الإنسان ويليام بوردون.
واعتقلت السلطات البلجيكية، في يونيو الماضي، رجلا وزوجته يحملان الجنسية البلجيكية ولكن من أصول إيرانية، وبحوزتهما 500 جرام من مادة شديدة التفجير، ومفجراً، بالقرب من بروكسل.
وكان الزوجان اللذان تظاهرا بأنهما من أنصار المقاومة الإيرانية يتجهان نحو حشد بإحدى ضواحي باريس، يستهدفان زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي والعديد من ضيوف المؤتمر سيما من العرب والأوروبيين والأمريكيين.
وقالت أجهزة الأمن البلجيكية إن الرجل الإيراني الذي اعتقلته السلطات ومعه زوجته، بمثابة خلية نائمة من بين خلايا أرسلتها السلطات الإيرانية؛ وفقا لصحيفة “دي مورجن” اليومية الناطقة بالهولندية.
وحسب مكتب الإدعاء العام البلجيكي فقد جرى اعتقال المشتبه به أمير (38 عاما) وزوجته نسيمة (33 عاما)، وهما يحملان الجنسية البلجيكية ومن أصول إيرانية، وصدر أمر باعتقالهما من قاضي التحقيق المكلف في مدينة أنتويرب.
وأشار القيادي بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، محمد محدثين، الذي يشغل رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، إلى أن أسد الله أسدي، كان مسؤولاً عن محطة مخابرات الملالي منذ يونيو 2014، ولعدة سنوات، وقام بتنسيق أنشطة جميع محطات مخابرات نظام الملالي في أوروبا.
وأكد في مؤتمر صحفي عقد في بروكسل، بشأن المخطط الإرهابي للنظام الإيراني الذي كان يستهدف مؤتمر المعارضة، أنه منذ مارس 2018 عمل أسدي مع فريق من الإرهابيين، وعقد عدة اجتماعات معهم لإعدادهم لاستهداف مؤتمر العارضة الإيرانية في باريس.
ونوه محدثين بأنه تم اتخاذ القرار في يناير 2018 في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ثم وافق مرشد إيران علي خامنئي على العملية، وتم توجيه وزير مخابرات الملالي لتنفيذها، وكان أميري مقدم هو المسؤول المباشر عن العملية.
وشدد القيادي بمجلس المقاومة الإيرانية على أن هناك تنسيقات بين أعضاء المخابرات الإيرانية في فرنسا وألمانيا، وأن الجواسيس وعناصر المخابرات الإيرانية يجب اعتقالهم ومحاكمتهم، معربا عن اطمئنانهم لأن القضاء البلجيكي سيتابع القضية.
وفي سياق متصل، قال ولیام بوردون، المحامي الفرنسي في مجال حقوق الإنسان، إن “هذه المؤامرة الإيرانية كانت حساسة جدا وخطيرة جدا وأن يكون هناك عملية إرهابية ليس أمرا بسيطا”.
وأضاف: “يبدو أن هذا العمل تم بصورة احترافية ونحن نطالب بمحاكمة المتهم”.
من جانبه، شدد المحامي الأوروبي، سيرجي دوباتول، على “ضرورة أن يكون هناك إجراءات مشددة تجاه إرهاب نظام الملالي الإيراني، ويجب محاسبة هذا النظام”.
وتابع: “المعارضة الإيرانية ككل هي أول ضحايا إرهاب الحكومة الإيرانية”.
وكان العديد من المشاركين في الاجتماع الأخير في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في فرنسا الذين كانوا مستهدفين في محاولة اغتيال، بما في ذلك رهينة القوات المسلحة الثورية الكولومبية السابقة إنغريد بيتانكور في كولومبيا والرئيس السابق للحكومة الجزائرية سيد أحمد غزالي قد تقدموا يشكوى مدنية في ملف المحكمة في بلجيكا.
وقد تم الإعلان في بروكسل من قبل المحامين الذين يمثلونهم، في أعقاب أول مقابلة مع القاضي البلجيكي الذي يحقق في القضية في أنتويرب (شمال).
وأكد المحامي الفرنسي وليام بوردون، هناك مؤشرات قوية جدا تقود نحو الاعتقاد بأن هذا الهجوم المخطط له لم يقرره بعض المتهورين ولكن تم اتخاذ قراره بالضرورة من قبل مستوى عال جدا، حتى في أعلى مستوى الدولة الإيرانية.
فيما أكد زميله البلجيكي ريك فانريوسل أنه يدافع معه عن سبعة أشخاص كانوا متواجدين في فيلبينت لدعم المعارضين الإيرانيين وهؤلاء مشتكون مدنيون.
وفى سياق متصل واصل الريال الإيراني انهياره أمام الدولار الأمريكي، بعد أربعة أيام من توقيع أول حزمة من العقوبات الأمريكية ضد طهران، وخسر الريال الإيراني نسبة 20% من قيمته منذ الشهر الماضي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار والتضخم ووقف عمليات البيع والشراء.
ووفقا لتعاملات، أمس “الجمعة” تجاوزت قيمة العملة الخضراء حاجز 10600 تومان إيراني “التومان يساوي 10 ريالات”، وسط تقلبات تعم سوق العملات الأجنبية، وتوقف عدد من الصرافات عن البيع والشراء للمتعاملين.
ويمهد هذا الانهيار في أسعار صرف النقد الأجنبي إلى كوارث اقتصادية في طهران، وانهيارات كبيرة داخل المجتمع الإيراني، تتمثل في صعود كبير في أسعار المستهلك (التضخم)، خاصة على السلع المستوردة من الخارج، أو التي يدخل فيها مكون أجنبي.
ويتزامن الهبوط الكبير في سعر العملة المحلية، مع مظاهرات واحتجاجات تشهدها مدن إيرانية، رفضاً لشح النقد الأجنبي، واتساع نشاط سوق الصرف الموازية (السوداء)، وحملة اعتقالات تقوم بها الأجهزة الأمنية الإيرانية ضد المتظاهرين.
وشهدت أسعار أغلب السلع والمواد الغذائية في إيران ارتفاعاً مطرداً طوال الفترة الماضية، بحسب وكالة أنباء مهر الإيرانية، حيث سجلت أسعار الألبان ارتفاعاً بنحو 32%، واللحوم الحمراء ارتفاعاً 85%، بينما سجلت الدواجن 50%، والأسماك 100%، والخضراوات والفاكهة 30%.
وكشفت صحيفة “كيهان” اللندنية، أن العقوبات الأمريكية عرقلت افتتاح مركز تجاري ضخم معروف باسم “سوق إيران الكبير”، الشهر المقبل، مشيرة إلى أن مالكه رجل أعمال إيراني ثري يدعى “علي أنصاري” مقرب من مسؤولين إيرانيين بارزين، لا سيما مرشد إيران علي خامنئي، ويملك استثمارات واسعة في إيران وخارجها، كما يرتبط بأنشطة اقتصادية مع جنرالات في مليشيات الحرس الثوري الإيراني.
وقال مسؤول بمؤسسة النفط الهندية “أويل إنديا”، إن الشركة اشترت 6 ملايين برميل من الخام الأمريكي للتسليم في الفترة من نوفمبر 2018 إلى يناير 2019، مع بحث أكبر مكرر للنفط في البلاد عن بدائل للخام الإيراني قبل بدء سريان عقوبات أمريكية.
وأضاف إيه كيه شارما، المدير المالي في “أويل إنديا”، أن هذه هي أول مشتريات للشركة من خلال مناقصة قصيرة الأجل لشراء النفط الأمريكي.
وطلبت الهند من شركات تكرير النفط الاستعداد لهبوط حاد ربما في واردات النفط من إيران أو ربما توقفها بشكل كامل بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، وأعلنت عن تجديد العقوبات على طهران.
ومع بدء سريان بعض العقوبات في 6 أغسطس، فإن البعض الآخر، خصوصاً في القطاع البترولي، سيبدأ تطبيقها في 4 نوفمبر المقبل، إلا أن خطوة الهند بشراء الخام من أمريكا تبدو خطوة استباقية ستتبعها دول أخرى لبدء تنفيذ العقوبات النفطية على طهران قبل موعدها بـ3 أشهر.
وبعد نحو أسبوع من إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران، أكد محللون غربيون أن النظام الإيراني أصبح في خطر، وأيامه باتت معدودة، مشيرين إلى أنها المرة الأولى التي نرى فيها نظام الملالي بهذا الضعف خلال الـ40 عاماً الماضية”.
في هذا الصدد، أشار موقع “فرانس 24″ ا، أن النظام الإيراني يواجه عقوبات الولايات المتحدة على الصعيد الخارجي، والاحتجاجات في الشارع الإيراني من الداخل، في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، والارتفاع الجنوني للأسعار، وعدم الاستقرار والتضخم وانهيار العملة، ما جعل الإيرانيين يرون أن مستقبلهم أصبح ضباباً في ظل النظام الحالي”.
من جانبه، قال جون فرنسوا سيزنيك، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “جونز هوبكينز” الأمريكية، إن “شعور الإيرانيين بالمعاناة سيقودهم إلى نزع الشرعية من نظام الملالي بأكمله وليس الحكومة فحسب”.
ودلل الموقع الفرنسي أنه علامة على مخاوف النظام الإيراني من فقدان شرعيته، دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني روسيا والصين لمساعدته لاستعادة الاستقرار الاقتصادي قبل إعادة فرض الجزء الثاني من العقوبات في نوفمبر المقبل”.
ووفقا للخبراء والمراقبين للشأن الإيراني، فإن روحاني في موقف صعب لا يحسد عليه، إذ لم يستطع إقناع الشعب بالتضحية من أجل دعم المليشيات في اليمن وحزب الله في لبنان، وتقبل تلك المعاناة، كما أنه مجبر على التفاوض مع الولايات المتحدة وقبول الشروط الأمريكية لرفع العقوبات”، بحسب “فرانس24”.
وعلى الصعيد السياسي، فإنه حتى لو قبل روحاني التفاوض، فإنه لا يمكنه ذلك بدون دعم المرشد الأعلى علي خامنئي، إذ إنه له دائماً الكلمة الأخيرة، كما أن المحافظين المعارضين لسياسات روحاني سينضمون إلى صفوف الشعب الساخط، الأمر الذي يمكن أن يكون خطيرا على بقاء النظام بأكمله”، وفقاً للباحث الأمريكي جون فرنسوا سيزنيك.
من جهته، حذر الباحث الإيراني بالمؤسسة الأمريكية للدفاع والديمقراطية، بيهنام طاليبلو، النظام الإيراني، قائلاً: “إنه على القادة الإيرانيين أن يأخذوا تلك المظاهرات التي بدأت شراراتها في ديسمبر الماضي، على محمل الجد وعدم الاستهانة بها”.
بدوره، قال أزاده كيان، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشأن الإيراني، إنه “لم ير النظام الإيراني بهذا الضعف قبل ذلك، مشيراً إلى أن نظام الملالي في أضعف حالاته منذ نحو 40 عاماً من الثورة الإيرانية”، محذراً من أن تلك العقوبات يمكن أن تؤدي إلى زيادة أعداد المهربين للنفط بطرق غير شرعية”.